السعودية بعد اليمن… دويلات

يقرأ بعض المتابعين أنّ العدوان السعودي الأميركي الأخير على اليمن ستكون نهايته كما يتحدثون هو تقسيم السعودية، والمفارقه العجيبة هنا هي أنّ من يحرك ملفات هذا التقسيم في السعودية هم أصدقاء وحلفاء النظام السعودي، صنّاع القرار الأميركي، وهم من يدرسون الخطط على الأرض ويتنبأون بالنتائج ثم ينفذون مخطط عملياتهم، وهذا ما أكدت عليه قبل عدة شهور مجلة «فانيتي فير» الأميركية.
وقالت الصحيفة إنّ كلاً من المستشار في «معهد واشنطن» دينيس روس والمؤرخ الأميركي دايفيد فرومكين والباحثان الأميركيان كينيث بولاك ودانييل بايمان تحدثوا وفي شكل علني عن وجوب تقسيم السعودية «، ويشاركهم في كل هذا بالطبع كلّ من المسيحيان المتصهينان برنارد لويس ونوح فيلدمان. فهذان الشخصان هما جزء من اللوبي «المسيحي المتصهين» الموجود في أميركا وهما أيضاً جزء من راسمي السياسة التقسيمية للمنطقة العربية والإقليم الذين تطلق عليهم تسمية «صانعي الخرائط الأنغلوسكسونيين».
وفي نبذة مختصرة عن هؤلاء ، فإنّ دينيس روس هو المستشار في معهد واشنطن وهو المهندس الخفي لعملية الغزو الأميركي للعراق. أما المؤرخ الأميركي دافيد فرومكين فهو مهندس احتلال أفغانستان ومروج نظرية «صراع الحضارات» وتأثيرها على أميركا، والباحثان كينيث بولاك ودانييل بايمان، يعتبران من أعمدة البيت الأبيض لرسم وبناء سيناريوهات التخطيط للمستقبل الأميركي وشكل العالم الجديد بعد ما يسمى بحصد نتائج «الربيع العربي» وضبط فكرة «صراع الحضارات» ضمن مفهوم التبعية لأميركا، وبالطبع فنوح فيلدمان وبرنارد لويس ليسا في حاجة إلى التعريف عنهما.
إنّ ما أسلفت به ليس كلاماً عاطفياً عابراً، بل هو موثق بأدلة، والدليل الأكثر وضوحاً هو ما نشر قبل عدة شهور في صحيفة «الغارديان» البريطانية، والذي أشار إلى «أنّ جميع صانعي الخرائط الأنغلوسكسونيين يتفقون فيما يخصّ السعودية على أنّ المملكة يجب ألا تبقى موحدة». وأوضح المقال «أنّ فكرة دمقرطة الشرق الأوسط قد ترسخت بثبات في رؤوس الاستراتيجيين الأميركيين، وأنّ إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما تنأى بنفسها عن السعوديين، والزمن يمارس لعبته ضدّ البيت السعودي». وأضافت الصحيفة إلى «أنّ السعودية تأمل أن تسقط سورية، لأنّ سقوطها يعني بالنسبة إليها هزيمة إيران، عندئذ يمكن أن تصبح السعودية دولة إقليمية كبرى، لكنّ هذا الهدف بعيد المنال»، مشيرة إلى «أنّ النهج الذي تتبعه السلطات السعودية يمكن أن يحمل إليها مفاجآت كارثية»، مؤكدة «أنّ حالة الفوضى سوف تضرب السعودية وذلك بسبب أفعال القمع التي تنفذها السلطات وتفشي الفساد والاعتقالات الجماعية».
أما اليوم، فيبدو واضحاً، ومن خلال بعض الأحاديث والتحليلات التي بدأت تخرج إلى العلن من مراكز الأبحاث والدراسات في أميركا، أنّ هناك فعلاً مشروعاً أميركياً جديداً بدأ برسم سياسات جديدة للتعامل مع الملف السعودي، والأكثر وضوحاً هو أنّ هناك اليوم دعوات صريحة من داخل دوائر صنع القرار الأميركي إلى اختيار الوقت المناسب للانقضاض على السعودية التي من المتوقع، حسب الرؤية الأميركية، أن تخرج من حرب اليمن أكثر ضعفاً وهشاشة، والمطلوب هو تقسيمها إلى دويلات طائفية وديموغرافية، وبالطبع هذا الموضوع بدأ يلقى رواجاً واضحاً داخل دوائر صنع القرار الأميركي.
يعلم السعوديون وبعض دوائرهم الرسمية كلّ هذه التفاصيل، وهم متيقنون من ذلك، فهم يدركون جيداً معنى أن يظهر إلى العلن مخطط كهذا جلّ القائمين عليه هم من صناع القرارالأميركي، وهولاء أنفسهم كان لهم الدور الأكبر في رسم سيناريوات غزو العراق وأفغانستان والتحرك في ليبيا وسورية، وهم من يرسمون الآن خطوط واتجاهات ما يسمى الربيع العربي، وهم أنفسهم الذين يخططون ويرسمون شكل العالم الجديد، ولكن في هذه المرحلة يبدو أنّ النظام السعودي في عهد مليكه الجديد، ما زال يمارس مزيداً من المغامرات والمقامرات التي ستكون لها انعكاسات وارتدادات على السعودية حتماً في الأيام المقبلة، ومنها تأثيرات وارتدادات الحرب العدوانية الأخيرة على اليمن على الداخل السعودي. وبالتزامن مع هذه المغامرات والمقامرات السعوية في اليمن وغيرها، بدأت تطفو إلى السطح زيادة ملحوظة في حجم الانتقادات في الغرب لدور السعودية في تمويل الجماعات المتطرفة، والدليل هنا ما جاء في مقال للكاتب ريتشارد نورتن تايلور انتقد فيه بيع السلاح البريطاني لـ«إسرائيل» والسعودية، معتبراً أنّ المملكة تصدّر ما وصفه بـ«المذهب الوهابي وهو أكثر المذاهب معاداة للتسامح»، رابطاً بين ممارسات الحركة الوهابية في السابق وتدمير جماعة «داعش» للأضرحة في العراق.
يبدو أنّ حجم الخطر الذي يواجه السعودية والمقبل عليها من حلفائها الأميركيين، لم يغير حتى الآن في رؤية النظام السعودي لطبيعة تعامله مع معظم ملفات المنطقة وملفات الداخل السعودي كذلك، فتصرفات ومغامرات النظام السعودي الجديد تظهر أنه لم يدرك حتى الآن حجم مخاطر المشروع الأميركي الذي يستهدفه، هذا المشروع الذي بدأ بدفع السعودية إلى الانزلاق نحو مستنقعات سترهق السعوديون وتزيد من تفكك بنية المجتمع السعودي، وهو يهدف إلى توفير المناخ الخصب لتنفيذ فصول المشروع الأميركي التقسيمي في السعودية، حيث تقدم ماكس سينجر مؤسس معهد «هدسون» منذ سنوات بخطة للمسؤولين في وزارة الدفاع الأميركية تتلخص في تقسيم السعودية عبر إقامة جمهورية إسلامية شرق البلاد تضم حقول البترول فقط، مع الإبقاء على حكومة ملكية في باقي السعودية يحكمها الأمراء الشباب الذين يحظون بدعم أميركي، على أن تكون هذه الحكومة الملكية عرضة للسقوط بعد وقف الدعم عنها، والواضح اليوم أنّ فصول هذه الخطة بدأت تطبق تدريجياً في السعودية.
ختاماً، فإنّ الحديث الأخير للرئيس الأميركي باراك أوباما لصحيفة «نيويورك تايمز» والذي قال فيه «إنّ أكبر خطر يتهدّد دول الخليج (الفارسي) ليس التعرض لهجوم من إيران، وإنما السخط داخل بلادهم، بما في ذلك سخط الشبان الغاضبين والعاطلين عن العمل والإحساس بعدم وجود مخرج سياسي لمظالمهم»، جاء هذه المرة بنبره وصيغة مختلفة كلياً عن أحاديث سابقة، وهذه هي المره الأولى تقريباً التي يتطرق فيها مسؤول أميركي رفيع إلى ضغوطات ومشاكل الداخل السعودي، وهذا ما يؤكد قطعاً أنّ هناك صراعاً خفياً يدور من خلف الكواليس بين أركان الإدارة الأميركية وصناع القرار الأميركي، حول سبل التعاطي مع الملف السعودي. والسؤال الذي يطرح نفسه: هل سيستفيق السعوديون من غفوة التاريخ، حتى وإن كانت استفاقتهم متأخرة، قبل وقوعهم فريسة سهلة للمشاريع الأميركية التدميرية في المنطقة؟
هشام الهبيشان / المنار
المقالة تعبر عن رأي الكاتب، وهيئة التحرير غير مسؤولة عن فحواها
تصنيف :الیمنالسعوديةسياسةمقالات و تحليلات
كلمات دليلية : الوهابيةاحتلالطائفيةصراع الحضاراتالجماعات المتطرفةداعشمعهد واشنطنالغزوالعدوان السعودي

شاهد أيضاً

في رثاء الحاج طلال شرارة (أبو علي)

قم أيها الحبيب! رد هذا التراب عن وجهك وحدثنا فنحن لم نودعك كما الزوجة والأبناء …