تسأل الإعلامي سامي كليب، صاحب التجربة المختمرة التي بدأت إذاعيّة وتستمّر مرئيّة ومكتوبة، ماذا يقدّم الإعلام اليوم؟ يجيبك بأنّ انتقل من كونه السلطة الرابعة إلى كونه السلطة المخادعة، والاستثناءات من بين الإعلاميين قلّة. «صار الإعلام مطيّة للسياسات والمشاريع والفتن وليس العكس. فقد الإعلام صفته الأولى وهي أن يُعلِم، وصار في الكثير منه وسائل إعدام، والمصيبة أنّه لا بدّ من هذا الشر في عالمنا، إذ لا يمكنني أن أتصوّر العالم بلا إعلام».يعدّ كليب ويقدّم برنامج «لعبة الأمم» على شاشة «الميادين» منذ العام 2011. برأيه، يحتاج الإعلام إلى ثورة حقيقية لإعادة الأخلاق إلى هذه المهنة. «حين نعيد الأخلاق نساهم في وأد جزء من الفتن المنتشرة في عالمنا، ونقترب أكثر بالتالي من إنسانية مَن يتابعنا لا من غرائزه. فلا يخفيّن على أحد أنّ الإعلام اليوم هو لتحريك الغرائز لا العقول، ويستحيل علينا أن نجد إعلاماً موضوعياً. أحاول أن أقترب من الموضوعية بصعوبة، ولكني لستُ محايداً ولست بوقاً، ولا يهمني إن كانت إيران أو السعودية راضية عني، إذ اعتبر أنّ لكل منهما مصالحه ومشاريعه».
يرى كليب في حديثه لـ «السفير» أنّ الحياد غير موجود «ولا يهمّني إن صُنّفتُ كغير محايد، وذلك لإيماني بثلاث قضايا لا يمكنني الحياد عنها، وهي العروبة الصحيحة وليست تلك التي أقامت ديكتاتوريات وقمعت أقليّات وإنّما العروبة الجامعة التي تقفز فوق المذاهب والطوائف ولم توجد حتى اليوم، والقضية الثانية هي مقاومة آخر وأسوأ نظام عنصري في العالم وهو إسرائيل، أما القضية الثالثة فهي أخلاقيات المهنة».
نسأل مَن تخطى عمره المهني ربع قرن هل يمكننا أن نعيد الأخلاق إلى المهنة؟ فيجيب «تكون أخلاق المهنة أولاً بالابتعاد من الأهواء الشخصية واعتماد شريحة للصحافة تشكّل ربيعاً حقيقياً للمهنة من خلال نبذ الفتن وتقريب الناس ومنع ظهور أي تكفيري أو فتنوي أو إلغائي في وسائل إعلامنا، مع زيادة حجم الثقافة والوعي عند الصحافيين أنفسهم؟ وأخشى القول إنّ نسبة الجهل بين الصحافيين تفوق نسبتها عند عامّة الناس، ولكن هناك استثناءات مضيئة في هذه المهنة، وعلى الصحافي أن يُحكّم ضميره قبل أن يحرّك قلمه أو صوته. وفي حال استمر الجهل وإذا فقد الضمير ستكثر دواعش الصحافة والإعلام وهذه حالنا اليوم».
من المعروف عن كليب أنّه يؤمن بالمقاومة، ولكنّه لا يعتبرها محصورة بـ «حزب الله». «كانت المقاومة موجودة قبل «حزب الله «وتطوّرت معه، وتستمر، وفي حياتي أصدقاء كثر من تيارات مناهضة ربما للخيارات السياسية للحزب. اعتبر أنّ السيد حسن نصر الله ظاهرة لم ولن تتكرّر في تاريخنا العربي لا على المستوى النضالي المقاوم ولا على المستوى الإنساني، بغضّ النظر عن الخلاف الدائر حول دور حزب الله في سوريا، فالحزب لديه تبريره وخصومه لديهم تبريرهم».
يعتبر كليب أنّ ظهوره التلفزيوني هو الأقل أهمية فكرياً وثقافياً وإعلامياً من بين وسائل التعبير الإعلامية الأخرى، «لكنه الشر الذي لا بدّ منه للانتشار في ظل التراجع الرهيب للقراءة، يبقى حبي الأول للإذاعة وعقلي يميل إلى الصحافة المكتوبة، لكن انتهازية الانتشار تدفعني نحو التلفزيون، ولا أخشى من قول هذه الكلمات، لأنني أعتبر أن الشاشة، وللأسف الشديد، قتلت الكثير من أسس الإعلام الصحيح. وهمّ الشهرة بات يقتل ضمير الصحافي في الكثير من المناسبات، وأغبى الصحافيين هم الأكثر سعياً للشهرة عبر الشاشة».
يحاول كليب «إنقاذ نفسه» عبر تقديم برنامج «لعبة الأمم»، من خلال التركيز على المعلومة والوثيقة والكتاب أكثر من البهرجة. «أسعى بكل الوسائل إلى تهدئة كل الضيوف، لستُ من مناصري الاقتتال على الشاشات، والشاشة ليست مزبلة لاقتتال ديكة عليها. إذا كنا نضع أنفسنا في موضع قادة الفكر والوعي كإعلاميين فعلينا أن نتحمّل هذه المسؤولية بأخلاق».
يقول كليب إن اسم «لعبة الأمم» اختير لسببين، «شعرت أنّ كل ما يحصل في وطننا العربي لا علاقة له بساسة هذا العالم الذين هم بيادق، مجرد أحجار على لعبة شطرنج يحرّكها الآخرون. كنت أستمع إلى إحدى مسرحيات زياد الرحباني، وشاهدت كتاب «لعبة الأمم» في مكتبتي لمايلز كوبلند، لذا تقع مسؤولية العنوان على زياد ومايلز».
نسأله عن مشروعه الإعلامي المقبل، فيردّ من دون أدنى تفكير: «مشروعي المقبل هو ترك الإعلام والاتجاه نحو الكتب، والمصيبة أنني أفكّر بالابتعاد من الشاشة منذ خمس سنوات، لكنّي أتورّط أكثر، كمن يحبّ امرأة ويعرف أن لا مستقبل لهذا الحب معها. سأتخذ القرار قريباً». ولكليب إصداران سيريان النور في «معرض بيروت الدولي للكتاب»، الأول بعنوان «الأسد بين الرحيل والتدمير» من تأليفه، والثاني يندرج في إطار أدب الرحلات بعنوان «باريس كما يراها العرب» لمجموعة من المؤلّفين. ومن المقرّر أن يصدر له في القريب أيضاً «رحلة الأحلام في عالم الإعلام».
يملك كليب شركة إنتاج «زووم إن» قدّمت العديد من الوثائقيات عن البربر في مصر وعن الطرق الصوفية وعن شنقيط المدينة الموريتانية الغارقة في الرمال، وتاريخ المخطوطات العربية الإسلامية وغيرها الكثير. «انتهينا أخيراً من العمل على وثائقي حول تاريخ لبنان والحرب فيه من خلال قصة ساحة الشهداء، ولا أعرف على أيّ شاشة سيعرض بعد».
يحنّ كليب إلى برنامجه «زيارة خاصة» الذي عرض عبر قناة «الجزيرة» ويعتبره حبيبته الأولى. «على الإعلامي أن يستثمر معارفه ومعرفته لإعادة جزء من تاريخنا العربي عبر شخصيات لها دور وأحن دوماً إلى الميدان وإلى نوعية هذا البرنامج بالتحديد». ويقول عن «الجزيرة» إنّها كانت مجالاً واسعاً في الحرية والحب والأمل والطموح حين انطلقت، ومشكلتها أنّها أصبحت حاملة لمشروع سياسي، «هذا المشروع قضى على الكثير من مهنيتها وصورتها التي كنا نعتز بها، وتجدر الإشارة إلى أنني كنت أنتج البرنامج وأبيعه للجزيرة ولم أكن موظفاً فيها، وقد أوقفت التعامل مع الجزيرة بعد أحداث مصر».
يقول كليب إنّ قناة «الميادين» ليست وسيلة إعلاميّة بل هي قضية بحدّ ذاتها. «حاولنا ونستمر في المحاولة منذ تأسيسها لإعادة المصداقية للخبر، وللكثير من أخلاق هذه المهنة. لقد أسسنا مشروعاً نحلم أن يكون أقرب إلى واقعنا العربي، وحين تركت إدارة الأخبار في القناة، تركت الكثير من الحب للناس الذين عملت معهم في غرفة الأخبار، وهم جزء من حياتي. الأخبار مسؤولية معقّدة ويوميّة وتستهلك كل طاقتنا، اعتبر أنني أدّيت واجبي ثلاث سنوات، وهناك اليوم مَن يعمل بأمانة ويتحمّل هذه المسؤولية». يضحك قائلاً «أعتقد أنني تقدّمت في العمر». ينفي كليب أي خلاف مع رئيس مجلس إدارة القناة غسان بن جدو، «غسان رفيق مسيرة وصديق وأخ، كنا سوياً كرجل واحد في «الميادين» وسنستمر كذلك في حال كنت قريباً أو بعيداً من الأخبار».
] يوقّع سامي كليب كتابه «الأسد بين الرحيل والتدمير» الصادر عن «دار الفارابي» في «معرض بيروت العربي دولي للكتاب ـ 59» بين السادسة والتاسعة مساء 4 كانون الأوّل المقبل.