أمين أبوراشد –
المنتظرون على شاطىء الرهانات منذ العام 2005 يتوقّعون دائماً، من باب التمنِّي، أن يسبح حزب الله خارج خياراته المبدئية التي تُعتبر مقدَّسة، وخارج إطار “وثيقة التفاهم” والتكامل الوجودي” و”الجسد الواحد” مع التيار الوطني الحر، ربما لأن “الخصوم” لم يرغبوا أن يتلقُّوا النَّعي الذي أعلنه سماحة السيد حسن نصرالله بعد عدوان تموز 2006 لِمَا كان يُسمَّى بالحلف الرباعي، ولم يسمعوا أيضاً الكلام القاطع الذي وجهه سماحته كوثيقة امتنان وعرفان للعماد ميشال عون ليس فقط للمواقف المبدئية للجنرال من العدوان، ولا فقط للمواجهة السياسية التي خاضها دفاعاً عن المقاومة، ولا لأن الجماهير العونية كانت على أهبة الإستعداد والجهوزية لعملٍ جادٍ وحثيث قامت به في احتضان أخوة لبنانيين، بل لأن وثيقة التفاهم هذه باتت دستوراً لا يُكتب، بل يُعاش يومياً بين مجتمع المقاومة والمجتمع الوطني اللبناني المؤمن بالسيادة والمَدِين لحزب الله بدماء شهدائه، تماماُ كما كان الحزب وسيبقى مديناً للمواقف السيادية الداعمة لمقاومته الشريفة.
ربما كان مبرَّراً، ذلك الحلف الرباعي عام 2005، لأن الفتنة كادت تقع حُكماً نتيجة الشحن المذهبي الذي تلا استشهاد الرئيس رفيق الحريري، والإتهامات التي رُميت وما زالت تُرمى نحو حزب الله وسوريا، والتي لن تكون آخرها “المطالعات السياسية” التي دُعي إليها أخيراً النائب مروان حمادة ويليه الرئيس فؤاد السنيورة أمام المحكمة الدولية، والتي ستكون استكمالاً للإتهامات نفسها طالما أن هذه المحكمة مُسيَّسة من بدايتها وموجَّهة وفق الإملاءات المُعادية للمقاومة وسوريا.
لكن المؤكَّد، أن شبح الفتنة السنِّية – الشيعية، أٌريد استحضاره لتمرير التمديد للمجلس النيابي،ضمن حلفٍ رباعيٍّ حصل لمدة ساعة عام 2013 وتكرَّر لمدة ساعة عام 2014، مع وجود طلاقٍ بائنٍ لا عودة عنه بين حزب الله و”حلفاء اللحظة” نتيجة تداعيات الوضع السوري الذي سيستمر ضاغطاً على الداخل اللبناني سواء داخل الحكومة أو المجلس النيابي المُمَدِّد لنفسه، أو في موضوع الكرسي الشاغر في بعبدا الذي لن يملأه سوى الحوار الذي تَحُول دونه حتى الآن تدخُّلات إقليمية ودولية مُعلنة.
وإذا كان تشكيل حكومة “المصلحة الوطنية” كان استحقاقاً واجب الوجود لإستدراك الفراغ السياسي، فإن التمديد الثاني للمجلس النيابي بات مجرَّد تفصيل، سار فيه حزب الله درءاً لفتنة ليست في شارعه بل في شوارع الخصوم السياسيين، وطَعَن به العماد عون من منطلق مبدئية احترام الدستور، لكن موقع رئاسة الجمهورية في هذا الوقت بالذات وضع العلاقة بين حزب الله والتيار على محكِّ الإختبار من خصومٍ لا يُراهنون على حلفهم الإنتخابي الهشّ ضمن 14 آذار، بقدر ما يراهنون على فكِّ ارتباط بين الحزب والتيار ليس فقط للشعبية الواسعة التي يمتلكها الحليفان، بل لأن العلاقة بينهما هي ترجمة للإرتياح الشعبي الناتج عن الإنسجام بين الجيش اللبناني والمقاومة ضمن الخطَّ الضامن للسيادة، الرادع للعدوان من الجنوب ولزحفِ التكفير
من الشرق.
كثيرة هي الإجتهادات التي تناقضت، والسيناريوهات التي تسرَّبت، منذ كان الحوار بين التيار الوطني الحر وتيار المستقبل وكان حزب الله في أجواء هذا الحوار، لكن المشكلة كانت وستبقى أن فريق التيار- حزب الله يمتلك قراره في أي لقاء حواري، بينما الفريق الآخر لا يمكنه التحرُّر حالياً من قيود إقليمية لأنها القوَّة التي يمتلكها للعودة حتى الى شارعه في الداخل اللبناني بعد إنكفاء التكفيريين أمام ضربات الجيش!
حزب الله والتيار الوطني الحرّ أمام اختبار مصيري، ليس لأهمية موقع رئاسة الجمهورية التي جرَّدها الطائف من صلاحياتها، وليس للمواصفات التي يجسِّدها العماد عون كرئيسِ جمهورية يؤتمن له كظهيرٍ للمقاومة يؤمن إنسجام علاقتها التكاملية مع الجيش اللبناني ويمنحها استمرارية “شرعيتها” الوطنية في مواجهة مجمعٍ إقليمي ودولي يحتسبها على طائفة رغم الإجماع اللبناني عليها من كافة الطوائف! بل لأن حلف “التكامل الوجودي” ممنوعٌ أن يتعرَّض لأدنى نكسة، وبات معياراً صادقاً لأداء حزب الله والمبدئية التي يتميَّز بها وحيثيته الوطنية الجامعة، ولأنه أيضاً معيار الإلتزام المسيحي بالإنفتاح على الشريك الآخر والإندماج معه ضمن “جسدٍ واحد” في مواجهة عنصرية رابضة على الحدود الجنوبية وتكفيرٍ يزحف على لبنان من الشرق.
لا يُفترض أن تكون مسألة إنتخابات رئاسة الجمهورية ونتائجها هي الأساس في “التكامل الوجودي” بين الحزب والتيَّار، لكنها باتت كذلك لأن سماحة السيِّد نصرالله عندما أعلن الإسم الأول من المرشَّح الذي يدعمه الحزب :”العماد ميشال عون”، ثم دعا بعدها الفرقاء اللبنانيين الى الحوار، فلأن الأمر ليس الغرض منه الإصرار فقط على شخص الجنرال، ولا ردّ جميل للتيَّار، بقدر ما هو تموضعٌ ثابتٌ للحزب ضمن بيئته اللبنانية الحاضنة التي يستمدُّ شرعيته منها في مواجهة قوى إقليمية ودوليّة حذَّرها السيد نصرالله في يوم القدس وقال: “نحن لسنا جيش الشيعة العرب بل نحن مقاومة”، والفرقاء اللبنانيون مدعوون للتوقُّف عن الرهانات الخائبة بأن السيِّد أحرق أوراق الجنرال بمجرد الإعلان صراحة عن إسمه، وهم مدعوون الى الحوار على هذا الأساس، لأن السيِّد والجنرال منذ وثيقة التفاهم عام 2006 يدعوان الجميع للإنضمام إليها، ولا حوار ولا رئاسة جمهورية خارج إطار “وثيقة تفاهم” تشمل الجميع، وبداية الغيث يجب أن تكون سحب 14 آذار لمرشَّح “غير جدِّي” هي تعرف مسبقاً أن وصوله الى بعبدا ممنوعٌ سنِّياً قبل أن يُتّهم المسيحيون والشيعة برفضه…
تيار.أورغ