عماد مرمل
تاريخ المقال: 04-02-2014 02:49 AM
يبتسم قيادي بارز في «التيار الوطني الحر» في معرض استخلاصه لحصيلة اللقاء الذي عقده الرئيس المكلف تمام سلام مع الوزير جبران باسيل، عارضا عليه بشكل رسمي إسناد حقيبتي «الخارجية» و«التربية» الى التيار البرتقالي، بعد صمت طويل تسلح به سلام على مدى أشهر، رفض خلالها ان يفصح عن الحصة الوزارية التي ينوي تخصيصها للعونيين.
ما جرى، وفق هذا القيادي، لم يكن الحوار الحقيقي المنتظر منذ وقت طويل للوصول الى نتيجة ملموسة في شأن المداورة وتوزيع الحقائب، بل مجرد إشعار بـ«مذكرة تبليغ»، قوامها: «سلموا وزارة الطاقة… تسلموا».
وبمعزل عمن يتحمل مسؤولية تعثر المحاولة الجديدة لتحقيق التوافق الحكومي، فقد بات واضحا أن الرئيس المكلف يستعد لاستخدام ورقة حكومة الامر الواقع، ما لم يستجد في ربع الساعة الاخير تطور يدفعه الى طيّها من جديد.
يفترض سلام بعد جولة المشاورات التي أجراها أمس الأول، أنه أدى قسطه للعلى وخدم هو أيضا عسكريته في ميدان السعي الى التوافق، وبالتالي فقد اصبح من حقه وواجبه الاستعانة بالخطة «ب»، للوصول الى السرايا الحكومية، عبر طريق التفافية، من دون المرور بالرابية.
وأغلب الظن، أن سلام يعتقد انه أبدى قدرا كبيرا من المرونة في الشكل والمضمون عندما بادر الى فتح حوار مباشر مع «التيار الحر» في شأنٍ هو من اختصاصه دستوريا، ويتعلق بكيفية توزيع الحقائب، وصولا الى الاقتراح الذي قدمه بإسناد حقيبة سيادية للعونيين، مع ما يعنيه ذلك من إعادة خلط للأوراق ستحرمه ورئيس الجمهورية من امتياز الحقائب السيادية، وكأنه أراد ان يقول لمن يهمه الامر في «8 آذار»: لا تلوموني بعد اليوم إذا اتخذت القرار الذي اراه مناسبا…
وهناك من يقول إن الوظيفة المضمرة للاتصال الهاتفي الذي أجراه سلام مع العماد ميشال عون واللقاءات التي عقدها مع الرئيس نبيه بري وممثلي «التيار الحر» و«حزب الله» و«تيار المردة» في يوم واحد، إنما هي التحضير لهبوط إضطراري ستنفذه الحكومة الوشيكة على مدرج الأمر الواقع، بعدما يكون قد نزع ما أمكن من ذرائع لإسقاطها بالمضادات السياسية.
ويعتقد المتابعون لكواليس «حرب التأليف» أن الرئيس المكلف سيحاول أن يشكل حكومة الحد الأدنى من الخسائر، ما دامت حكومة الحد الأدنى من الأرباح متعذرة. وهو أراد، عبر تواصله المباشر مع عون والعرض الذي اقترحه عليه، الإيحاء بانه قدم كل التسهيلات المتاحة، لكن الجنرال لم يتجاوب، مفترضا ان هذه «السلفة» السياسية تتيح له لاحقا «تحييد» بري والنائب سليمان فرنجية، في حال لجأ الى خيار الأمر الواقع.
وربما يتطلع سلام الى أكثر من ذلك، وتحديدا الى إبقاء بري وفرنجية والطاشناق داخل الحكومة، أو أقله الحصول على تغطيتهم السياسية لها، بعدما يكون قد حمّل عون مسؤولية إخراج نفسه منها، لأنه رفض مقايضة «الطاقة» و«الاتصالات» بـ«الخارجية» و«التربية»، عملا بمبدأ المداورة.
إلا أن العارفين بتركيبة «8 آذار» يستبعدون مثل هذا السيناريو، لأن عنقود التحالفات في هذا الفريق لا يسمح بترف توزيع الأدوار، إذ أن مقاطعة عون للحكومة ستدفع تلقائيا «حزب الله» الى التضامن معه، على قاعدة «أنصر أخاك ظالما أم مظلوما». وفي هذه الحال، سيكون من الصعب على بري ان يبقى في الحكومة بينما الحزب خارجها، لاسيما أن وضع الطائفة الشيعية المستهدفة بالإرهاب في لحظة مصيرية، لا يحتمل تمايزا من هذا النوع، بل يستدعي تكاملا بين الثنائي الشيعي أكثر من أي وقت مضى.
لكن، هل من المؤكد أن «حزب الله» سيختار الوقوف الى جانب عون إذا خُيّر بينه وبين حكومة على أساس 8-8-8، تجمعه مع «تيار المستقبل» حول طاولة واحدة، في هذه المرحلة، البالغة الحساسية مذهبيا؟
الأرجح أن خيار التحالف مع عون هو إستراتيجي وثابت بالنسبة الى «حزب الله»، في حين أن الحكومات تروح وتأتي، وبالتالي فإن الأولوية لديه هي لحماية هذه العلاقة التي باتت تكتسب قيمة مضافة، من حيث بُعديها المسيحي والوطني، في زمن تكاثر فيه خصوم الحزب وأعداؤه، داخليا وخارجيا، الى حد أن معادلة من نوع «جيش وشعب ومقاومة» لم تعد مقبولة من الشركاء المفترضين في الوطن.
وما يزيد قناعة الحزب بأولوية الحفاظ على التفاهم المفصلي مع عون هو أن الحكومة التي يراد له أن يضحي بالجنرال من أجلها لا تستأهل كل هذا الثمن الكبير، وإن يكن الحزب لا يمانع في الدخول اليها، شرط الا تكون الكلفة مرتفعة الى الحد الذي يفوق قدرته على التحمل.
وهناك من يسأل في هذا الإطار: لماذا يغامر «حزب الله» بالعلاقة التي تربطه بعون للدخول الى حكومة يدرك سلفا أنه سيفقد فيها ما كان يحظى به، هو وحلفاؤه، في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي من أرجحية عددية، ومن حقائب وازنة كـ«الخارجية» و«الطاقة» و«الداخلية» و«الاتصالات» و«الدفاع»، وإن يكن سيربح في المقابل إقراراً بكونه رقماً صعباً في أي معادلة حكومية، لا يمكن تجاهله أو عزله، كما حاول البعض أن يفعل. علما أن هذا الإقرار انتزعه مبدئيا بمجرد إعلان الرئيس سعد الحريري عن استعداده للمشاركة في حكومة واحدة مع الحزب.
ويرجح مصدر سياسي مطلع ألا يترك تشكيل حكومة أمر واقع، إذا حصل، تداعيات على الارض، لا سيما في الشارع الشيعي، باعتبار ان «حزب الله» لن يكون خارج الحكومة بقرار يستهدفه، كما كان سيبدو الأمر قبل التفاهم الذي تم مع الحريري حول تركيبة الحكومة، بل هو الذي سيضع نفسه خارجها، تضامنا مع حليفه البرتقالي.
المصدر: صحيفة السفير