كتب السيد جعفر فضل الله
—
ليست المشكلة في أن تنتقده، فهو الذي نظّر للحوار حيث يعزّ، وقدّس الرأي الآخر حيث تغيب الأنا في نرجسيّتها، وهو الذي هدهدت مصطلحاته الحالة الإسلامية في مهدها، ولا يكاد ينطق أحدٌ اليوم إلا بلسانه في أكثر من مجالٍ وقضية.
ليس لأنّه الفرد الأوحد، ولا لأنّ الخط مقيّض له حصرًا، بل لأنّه مجمع تراث رجالات مضوا، وتجسيدٌ لحركة إبداع، امتزجا في شخصه في مرحلة بالغة الحساسية من تاريخنا، لا بحجم زقاقاتٍ تنظر من كهوفٍ مُظلمة، بل في حجم تحدّيات العصر أمام أمتنا الإسلامية، في أن تكون أو لا تكون!
المشكلة الحقيقية هي استسهال الحديث عندما يكون ضدّ هذا الشخص حصرًا!
المشكلة هي في استمرار الخوف من أن يُضبط أحدٌ ما مادحًا له، حتى يضطرّ بعض الصادقين ليضع ألف قيدٍ قبل أن يذكره بشطر كلمة!
المشكلة أنّ بعض تلاميذه تنكّروا من أعمارهم لسنين قضوها تحت منبر درسه، فتبرأوا من اسمه!
المشكلة أنّ التسلق إلى بعض المواقع لا يزال عبر ذرب اللسان عليه!
المشكلة أنّ البعض يرى عدم البهتان أو مشاركته ضدّه منقبة!
المشكلة أنّ بعض الجيل الذي زويت عنه جذور تاريخه القريب، يصفّق لأفكاره لكن في أفواه آخرين ينسخون عنه ويسبّونه في آنٍ!
المشكلة أنّ البعض لا يزال قاصرًا عن ربط مؤامرات أجهزة المخابرات المفتضَحة صراحة اليوم، بكلّ التجنّي الذي لحق بهذا الإنسان حتّى ضُلّل وفُسِّق وكُفّر، ثمّ يأتي الغمز في سيرته لإخراجه اليوم من تاريخ حالة بأسرها؛ لماذا؟ لضيقِ أفقٍ أو لضيق صدرٍ…!
لقد قلتُ له يومًا: لقد أفهمتَنا عليًا (ع)!
نعم، فهمنا عليًا (ع) به كلمة كلمة، وحرفًا حرفًا..
عندما قال: “فصبرتُ وفي العين قذًى وفي الحلق شجًى…”
وعندما نفث بعض زفراته: “متى اعترض الريب فيَّ مع الأوّل منهم حتّى صرتُ أقرنُ إلى هذه النظائر؟!”
وعندما أعلن منهجه الذي أغرى كثيرين بزيادة التجنّي عليه: “لأسلمنَّ ما سلمت أمور المسلمين ولم يكن فيها جورٌ إلا عليًّ خاصّة”.
وعندما انقلب عليه الأقربون خوفًا أو حسدًا فقال: “ما ترك لي الحقّ صديقًا”..
ولكنّه هو – فضل الله – نفسه الذي قال لي وهو يستعدّ للرحيل عن هذه الحياة، وقد كنتُ أنفُثُ أمامه بعض الألم على هذا التجنّي: أنا ظلمتُ كما لم يُظلم أحد، ولكنّي أحبُّهُم لأنّهم أولادي.. فعلًا أشعر أنّهم أولادي.
لستُ أكتب اليوم لأعبّر عن انفعالٍ.. وذلك أبسط حقٍّ لمتألّم.. بل لأقول: إنّ #الإسلام مسؤوليّتنا في هذه المرحلة الحساسة من تاريخ أمتنا.. أن نحذر أن نرى فيه ثلمًا أو هدمًا تكون المصيبة به علينا أعظم ممّا يجرّنا إليه العابثون أو الجاهلون! وإنّ التاريخ عصيٌّ على الطمس! فهو في عين الله بإذنه.. فلنتّقِ الله جميعًا في كلماتنا، فإذا كان بعضنا جاهلًا بما يقول فليستعلم، ومظانُّ العلم قريبة؛ وإذا كان عالمًا ويحرفُ عنه ما يقول فليتّقِ الله!
ولبقية مخلصين للإسلام أقول: إنّ تراكم الخطيئة في الساحة لا يأتي على شخص فقط عندما يكون بحجم تاريخ وحالة، وإنما يصيب ذلك التاريخَ نفسَه والحالة ذاتها، وإنّ تنظيف هذه الساحة لا يتطلّب الفتنة، بل فقط مراكمة ذكر تاريخ الحالة الإسلامية كما هو، وعند الله الملتقى (يوم تبلى السّرائر)؛ والله من وراء القصد.