صدر عن عائلة الإمام المغيّب السيد موسى الصدر أعاده الله وأخويه فضيلة الشيخ محمد يعقوب والصحافي السيد عبّاس بدر الدين البيان التالي:
وكأنّ السنوات الأربعين الثقيلة التي مرّت بآلام الفراق، ولوعة الاشتياق، ومرارة الأفكار التي تأخذنا إلى عذابات المغيّبين، وتأتينا من حيرةِ انتظارهم، وحسرة قصر اليدِ عن تحرير الأحبّة، كأنّ كلّ ذلكَ وفوقه وجعُ العائلاتِ، وغضبهم الشديدِ لاستمرار جريمة العصر الموصوفة لا تكفي، لتظهر بين فينة وأخرى شائعاتٌ من هنا ومن هناك، وتدخلاتٌ سياسية وضغوطات لا تهدف إلّا لتبرئة المجرمين، ووضع الملح على عمق جراحات الغياب.
واللوعة تشتدُّ عندما تساهم شخصياتٌ ووسائل إعلام لبنانية بهذهِ الآلام عن قصدٍ أو غير قصدٍ، كأنّ الإمام الصدر ذهب إلى ليبيا لغايات شخصية أو عائلية، ولم يذهب لأجل كلّ لبنان، ولوقف الاقتتال الداخلي والعدوان الصهيوني عن شعبه وأرضه ومائه وسمائه.
ومؤخراً، زادت هذه الشائعاتُ والتدخلات حتى تجاوزت حدّاً لا يوصف في قضية هانيبال معمر القذافي، المجرم، ونجل المجرم المرتكب لجريمة خطف الأحبة وحجز حريتهم باعترافه، وبحكم مبرم من القضاء اللبناني، والمتدخل اللاحق في جريمة الخطف المستمرة كجرم متمادٍ لا يسقط بمرور الزمن.
كلُّ هذه الأسباب، والتقصير الفادح الحاصل من لبنان والعرب والعالم تجاه قضية إنسانية مقدّسة، دفعنا لتوضيح بعض الملابسات التي يؤلمنا أننا نحتاج دائماً إلى تكرارها.
أولاً: إن الإمام الصدر وأخويه الذين ذهبوا في رحلة رسمية إلى ليبيا اختطفوا على يد المجرم معمر القذافي وما زالوا محتجزين في ليبيا، ولم يغادروها.
ثانياً: إن الأحبة الثلاثة ما زالوا على قيد الحياة بانتظار تحريرهم، وهذا ليس فقط فعلَ إيماننا، بل هو أيضاً تقاطع رواياتٍ من شهود أكدت نقلهم إلى ثلاثة سجون على الأقل حتى الساعات الاخيرة لسقوط نظام المجرم.
ثالثاً: إن الدولة اللبنانية التي تعتبر قضية الإمام وأخويه قضية وطنية تذكرها في البيانات الوزارية للحكومات المتعاقبة، عليها أن تخرج من سطور الإنشاء في البيانات إلى تفعيل الجهود لتحرير الأحبة وذلك عبر:
1- تكثيف الاتصالات مع السلطة الليبية الحالية لتنفيذ مذكرة التفاهم بين البلدين، ولتأمين عودة اللجنة إلى ليبيا للتفتيش عن مكان الإمام والشيخ والسيد، مراهنين على تجاوب أبناء الثورة مع قضيتنا المحقّة، ومع ما التزموا به من وعود تجاه القضية.
2- إجراء مروحة اتصالات مع الدول العربية والأوروبية المستضيفة لأركان نظام القذافي، لتسليم الأشخاص المطلوبين للقضاء اللبناني كشهودٍ أو متدخّلين في عملية الخطف، أو على الأقل تأمين لقاءاتٍ معهم لاستجوابهم.
3- الضغط باتجاه تنفيذ مذكرات التوقيف والجلب الغيابية عبر الإنتربول.
4- منع التدخلات الداخلية والخارجية في قضية هانيبال القذافي المتهم من السلطات القضائية اللبنانية بجرم التدخّل اللاحق في الخطف، والذي أدلى أمام المحقق العدلي بمعلوماتٍ مهمّة في القضية، بعضها كان جديداً ومفيداً في القضية الأساسية، وكتم معلومات أخرى مساوماً عليها مقابل إطلاق سراحه.
إنّ هذه المعلومات الموثّقة في محاضر المحقق العدلي في القضية يجب أن تشكل حافزاً للدولة اللبنانية لــ:
أ- وقف التدخلات السياسية في قضية هانيبال والساعية لتبرئته عبر تشويه الحقائق والادعاء بأنه كان طفلاً عند حصول جريمة الخطف ولا دخل له بها. وفي هذا السياق، نستغرب وندين بشدة دخول المدعوة ريم الدبري إلى لبنان، ولقائها مع مسؤولين سياسيين وأمنيين لبحث سبل إطلاق سراح هانيبال. كما نستغرب وندين دخولها إلى مكان توقيفه، ولقائها به، واستصراحه لوكالة “سبوتنيك”، بينما هو يرفض التعاون مع المحقق العدلي، ومقرر لجنة المتابعة، ويرفض الإدلاء بما لديه من معلومات حول مكان احتجاز الأحبة.
ب- قطع الطريق أمام كل الإتصالات الداخلية والخارجية الساعية للمساومة على إطلاق سراحه.
ج- منع ومحاسبة كل شخص سياسي أو إعلامي، طبيعي أو معنوي، يسعى بهدف مكاسب سياسية أو مادية، لتشويه الحقائق والوقائع، وتضليل الرأي العام في القضية المقدّسة.
د- تكثيف الجهود القضائية والأمنية والسياسية لتحرير الأحبة، عبر دعم اللجنة الرسمية لمتابعة القضية، وتأمين كل ما تحتاجه من وسائل لتحرير الأحبة.
رابعاً: إن اللبنانيين مسؤولون عن حياة الإمام وأخويه، وحريتهم. هذه المسؤولية ترتب عليهم الإيمان بالثوابت، ودحض الشائعات والروايات المضللة في القضية.
خامساً: إن الإعلام اللبناني، كما العربي والعالمي، مسؤولٌ عن إبقاء قضية الإمام وأخويه قضيةً إنسانية تحظى بإجماع الرأي العام حول مظلومية المغيّبين، ومسؤولية المجرمين. ولا يمكن أن نتخيّل انحياز رأي عامٍ حرٍّ وصحافة مسؤولة للمجرم ضدّ الضحية من أجل بضعة مكاسب مادية أو معنوية.
سادساً: منع أي تطبيع سياسي، أو اقتصادي أو دبلوماسي مع السلطات الليبية الحالية قبل أن تتعاون في القضية، وتنفذ بنود مذكرة التفاهم بحرفيتها، وتؤمن للجنة المتابعة الرسمية الأرضية اللازمة لمعرفة مكان احتجاز الأحبة وتحريرهم.
ومن ضمن هذا “التطبيع”، نستغرب كثيراً السماح لقناة الوسط التلفزيونية البث من مكاتب studio vision في لبنان.
أخيراً، إنّ قضية الإمام السيد موسى الصدر وأخويه هي قضية وطنية، عربية وإسلامية، وهي حتى عالمية تمسُّ الضمير العالمي بعجزه عن تحرير الإمام وأخويه رغم اعتراف الأمم المتحدة ومنظماتها العالمية بجريمة الخطف والإخفاء القسري. لكن هذا العجز، ورغم عدم بذل ما يكفي من الجهود لإعادة الأحبّة إلى ساحات جهادهم، لم تستطع أن تفقدنا الأمل من انتظار تباشير الحرية.