الإسلام دين رحمة وحوار

يؤكِّد الدين مسألة الرّحمة، ويؤكّد مسألة المحبّة بهذه الشّموليّة: “الخلق عيال الله، فأَحبُّ الخلق إلى الله مَنْ نفع عيال الله، وأدخل على أهل بيت سروراً”[1] .

الحقد ليس ديناً، قد نختلف {وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ}[هود: 118-119]. إنّنا لا بدَّ أن نختلف من خلال طبيعة التنوّعات التي نعيشها، في بيئاتنا وتجاربنا وثقافاتنا وأوضاعنا وحاجاتنا، ولكن علينا إذا اختلفنا، أن نتحاور، ولعلّ أروع نصّ قرآني في مسألة الحوار، هو قوله تعالى: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ}[سبأ: 24]. هل كان النبي شاكّاً، وهو الذي {جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ}[الزّمر: 33]؟! ولكنّ الله أراد أن يقول له، إذا كنت تريد أن تحاور الآخر، فلا تبرز أمامه في صورة الإنسان الذي يقول له أنتَ المخطئ وأنا المصيب، حتى بمستوى ما هو متعارف: رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب. حاول أن تبرز في موقع الشاكّ فيما تريد أن تطرحه، لتجرّه إلى أن يكون الشّاكّ فيما يطرحه، لتكون مسألة الحوار شكّاً يقابل شكّاً، وحقيقة ضائعة بين الطّرفين، ليقول كلٌّ منهما للآخر: تعالَ نفتّش عن الحقيقة الضّائعة بيننا.

لذلك، الحوار هو الذي يمكن أن يحلَّ لنا كلّ ما نختلف فيه، والحوار هو الذي يمكن أن يجعلنا نفهم بعضنا بعضاً، لأنّ المشكلة هي أنّنا لا نحاول أن نفهم بعضنا بعضاً، كلّ منّا يريد أن يحكم على الآخر، لا بما هو الآخر، ولكن من خلال ما هو في فكره، إذا كان من حقّي أن أختلف معك، فلماذا لا أدع لك الحقّ في أن تختلف معي؟

الذين يرجمون النّاس بحجارة السُّباب والشّتائم والتّخوين والتّكفير، جبناء وضعفاء، لا يملكون الحجّة، ولا يستطيعون أن يدخلوا في حوارٍ مع أحد، كلُّ الظَّلَمة ضعفاء، وهذا ما قاله الإمام زين العابدين (ع) في مناجاته لله تعالى: “وَقَدْ عَلِمْتُ يا إلهِي أَنْ لَيْسَ فِي حُكْمِكَ ظُلْمٌ، وَلا فِي نَقِمَتِكَ عَجَلَةٌ، إنَّما يَعْجَلُ مَنْ يَخافُ الْفَوْتَ، وَيَحْتاجُ إلَى الظُّلْمِ الضَّعِيفُ”[2] . يظلمُك لأنّه يخاف منك، ولكن إذا كان قويّاً، فلماذا يظلمك؟ الكلمة القويّة، في مقابل الكلمة القويّة.. القرآن طرح من موقع القوّة {قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ}[البقرة: 111].

لذلك، كلّ الذين يضطهدون الذين يخالفون فكرهم، ويحاصرونهم ويضيّقون عليهم، كلّ هؤلاء يخافون على فكرهم من الفكر الآخر. تلك هي المسألة، وقصّة أنّك عندما تضطهد حرية إنسان، فإنّك ستُلغي فكره، هذه ربّما كان لها دورٌ في الماضي، أمّا الآن، فكلّما اضطهدتَ فكراً، ساعدته على الامتداد في العالم، لأنَّ الناس تحبُّ الضّحايا. ولذلك، إذا حوّلتَ فكرَ الآخر إلى ضحيّة، فإنّك تجعل النّاس يحبّونه.. أطلِق الحرّية للفكر، يصبح الفكر فكراً كبقيَّة الأفكار، ربّما لا يلتفت إليه النّاس، ولكن عندما تضطهد الفكر، وعندما تضطهد الإنسان، فإنَّه يصبح مظلوماً في نظر النّاس، والناس تحبّ المظلومين، حتى لو كان المظلوم فكراً.

*من كتاب “خطاب العقل والرّوح”.

شاهد أيضاً

في رثاء الحاج طلال شرارة (أبو علي)

قم أيها الحبيب! رد هذا التراب عن وجهك وحدثنا فنحن لم نودعك كما الزوجة والأبناء …