أقرت شرطة الاحتلال الإسرائيلي في القدس بعجزها عن وضع حد للمواجهات المتصاعدة، وأكدت أن استخدام المزيد من القوة لن يكون مجدياً، وأن تحقيق تهدئة ملموسة في القدس المحتلة لن يكون إلا من خلال المستوى السياسي.
وفي جلسة تقييم للوضع، شارك فيها كبار المسؤولين في الشرطة، بشأن المواجهات والتصعيد الحاصل في القدس المحتلة، جاء أن قوات الشرطة قادرة على معالجة أحداث مواجهات موضعية، ولكن تحقيق تهدئة ملموسة غير ممكن.
إلا أن المفارقة كانت في ختام الجلسة، حيث قررت الحكومة الإسرائيلية هدم منازل منفذي العمليات الفلسطينيين، وشنّ حملة اعتقالات إدارية ضد الناشطين الفلسطينيين.
وقالت «القناة الإسرائيلة الثانية» إن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو أصدر تعليمات بهدم منازل منفذي العمليات، مشيرة إلى أن القرار لا يشمل الإسرائيليين الذين نفذوا عملية اختطاف وقتل الفتى محمد أبو خضير.
وتجددت المواجهات مساء أمس، بين قوات الاحتلال والشبان الفلسطينيين في مخيم شعفاط وسط حالة من التوتر تعمّ أحياء القدس كافة.
وقالت مصادر في المخيم إن عشرات الشبان اشتبكوا مع قوات الاحتلال الموجودة على حاجز شعفاط العسكري مستخدمين الحجارة والزجاجات الحارقة والمفرقعات، في حين أطلقت قوات الاحتلال باتجاههم قنابل الغاز والصوت بكثافة والرصاص المغلف بالمطاط.
وكانت مواجهات مماثلة اندلعت مع قوات الاحتلال الإسرائيلي، أمام بوابة سجن «عوفر» في غرب رام الله في الضفة الغربية، أدت إلى إصابة عشرات الطلبة الفلسطينيين.
ونظم طلبة من جامعة بيرزيت وقفة في ساحات الجامعة نصرة للقدس والمسجد الأقصى، ثم خرجوا بعدها بمسيرة حاشدة باتجاه سجن عوفر.
وأطلقت قوات الاحتلال أعيرة نارية ومطاطية، وقنابل الغاز المسيلة للدموع، تجاه المشاركين في المسيرة، ما أدّى إلى إصابة سبعة منهم بجراح خفيفة إثر إصابتهم بأعيرة مطاطية، فيما أصيب العشرات بحالات اختناق نتيجة استنشاقهم الغاز المسيل للدموع، تمّت معالجتهم ميدانياً.
ورشق الشبان قوات الاحتلال بالعبوات الحارقة والفارغة والحجارة، مرددين هتافات منددة بالسياسة الإسرائيلية في القدس، وأخرى داعمة للفلسطينيين في المدينة.
وكان عزام الخطيب، مدير عام دائرة الأوقاف الإسلامية (التابعة للحكومة الأردنية) في القدس، قد قال إن «عشرة مستوطنين إسرائيليين اقتحموا ساحات المسجد الأقصى، صباحاً، من باب المغاربة، وسط انتشار مكثف للقوات الإسرائيلية، قبل أن ينهوا جولتهم ويغادروا المكان».
وفي تعليق له على ما يجري في القدس المحتلة، كتب المراسل العسكري لـ«هآرتس»، عاموس هارئيل أن الوضع الأمني اختلف في القدس من الأساس عما كان عليه في العام الماضي. وأشار إلى أن ما يجري ليس فقط عمليات فردية ولا احتجاجات محدودة، وإنما التهاب مشاعر الاحتجاج الدينية والوطنية.
وفي نظره فإن الشعور بالأمن لدى الإسرائيلي في القدس تراجع بشكل كبير وأن الأحداث أكثر جدية مما كانت عليه في الماضي. وخلص هارئيل إلى أن إسرائيل بحاجة اليوم، أكثر من أي وقت مضى إلى السلطة الفلسطينية إذا كانت تريد فعلاً كبح التصعيد.
وربما أن كلام هارئيل يعبر عن رأي سائد في المؤسسة العسكرية الإسرائيلية. فقد أشار المعلق العسكري لصحيفة «إسرائيل اليوم» المناصرة لنتنياهو، يؤآف ليمور هو الآخر، إلى أهمية دور السلطة الفلسطينية في تهدئة الوضع في القدس.
وأشار إلى أنه «بمعزل عما إذا كان ما يجري في القدس هو انتفاضة أم لا، فإن الأهم هو أن القدس تشتعل». وقال إنه من الضروري أن تبادر الولايات المتحدة والدول العربية المعتدلة إلى الطلب من أبو مازن الكف عن تصريحاته التحريضية، مثلما أن من الحيوي أن يكف المسؤولون الإسرائيليون أيضاً عن إطلاق التصريحات التي قد تجر العالم الإسلامي والعربي ضدها.
وخلافاً للتقديرات السابقة في الشرطة الإسرائيلية وبعد اتساع نطاق الاشتباكات في أنحاء القدس الشرقية، توجد الآن شكوك في قدرة الشرطة على إنهاء الجولة الراهنة عبر استخدام القوة.
وكانت القيادة السياسية والأمنية الإسرائيلية قد قررت قبل أسبوع تكثيف الوجود الأمني والعسكري في المدينة وزجت بآلاف من قوات حرس الحدود والشاباك لقمع الانتفاضة بالقوة بعد تشديد الإجراءات والقوانين والعقوبات ضد المحتجين. غير أن هذا التقدير يتغيّر مع ظهور مصاعب في قدرة الشرطة وأجهزة الأمن الإسرائيلية على فرض سيطرتها في الأحياء العربية. وصارت الشرطة تطالب المستوى السياسي بالتحرك لتسهيل تهدئة الوضع هناك.
ولا تخفي شرطة الاحتلال إيمانها بأن التوتر في شأن الحرم القدسي يلعب دوراً مركزياً في الأحداث الجارية، محذرين من استمرار توجّه أعضاء كنيست من اليمين لالتقاط الصور داخل الأقصى. كما طالبوا المستوى السياسي بكبح التصريحات عديمة المسؤولية بشأن الحرم القدسي وصلاة اليهود فيه وهو ما يخلق تصعيداً في الوضع.
وتجدر الإشارة إلى أن لجنة الداخلية في الكنيست الإسرائيلية برئاسة ميري ريغف الليكودية مارست ضغوطاً شديدة على الشرطة لمواصلة السماح لليهود بالصلاة في الحرم.
وقال مصدر كبير في الشرطة الإسرائيلية إن «كل حادث جوهري في الحرم يمكن أن يضعنا في حال تختلف تماماً عن حالنا الراهنة. برغم الصور القاسية فإننا بعيدون عن وضع لا يمكن العودة منه. لكن لا ريب أن كل حدث في الحرم يمكن أن يقودنا إلى كارثة». ولهذا السبب طلبت الشرطة والشاباك من رئيس الحكومة منع أعضاء كنيست من الليكود من الذهاب إلى الحرم وأنه قبل برأي الشرطة.
وأطلق مسؤولون إسرائيليون تصريحات لتهدئة الأوضاع في القدس بعدما اعترف قادة أمنيون بصعوبة السيطرة على الوضع عبر استخدام القوة. وحمل وزير الخارجية الإسرائيلية أفيغدور ليبرمان على ذهاب وزراء وأعضاء كنيست إلى الحرم القدسي ووصف ذلك بـ«العمل الأحمق» الذي يشعل الأجواء. واعتبر ليبرمان أن من يقومون بذلك لا يؤدون إلا خدمة إعلامية لأنفسهم من أجل احتلال العناوين و«ركض خلف شهرة رخيصة وسهلة».
يأتي ذلك، في وقت أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أمس، نيته التوجه إلى مجلس الأمن الدولي بطلب لإنهاء الاعتداءات الإسرائيلية في الحرم القدسي. كما بادر رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو للاتصال بالملك الأردني عبد الله الثاني في أعقاب سحب سفير بلاده من تل أبيب للتشاور.
وقد أبلغ الرئيس التركي في اتصالين هاتفيين مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل نية بلاده في التوجه إلى مجلس الأمن الدولي بطلب «لإنهاء الاعتداءات الإسرائيلية» في الحرم القدسي.
وأشارت مصادر رئاسية تركية إلى أن أردوغان قال إن إنهاء اعتداءات الشرطة والمستوطنين الإسرائيليين على الحرم القدسي يتسم بأهمية بالغة لسلام المنطقة. وقد بادر أردوغان إلى إجراء المكالمات مع الزعيمين الفلسطينيين في ظل اعتقاد بأن إسرائيل تحاول تغيير الوضع في الحرم القدسي لمصلحة اليهود.
وأشارت مصادر تركية إلى أن الرئيس الفلسطيني أبلغ أردوغان أن المستوطنين اليهود يزيدون من اعتداءاتهم على الحرم وطلب مساعدة أنقرة في وقف النشاطات الإسرائيلية. وكان رئيس الحكومة التركية أحمد داوود أوغلو وصف الاعتداءات الإسرائيلية في القدس بـ«البربرية»، ودعا كل المسلمين في العالم إلى حماية المسجد الأقصى، قائلاً إن «القدس لا يمكن أن تُحكَم من دين واحد».
وعلى خلفية الأزمة بين الأردن وإسرائيل إثر سحب السفير الأردني من تل أبيب وتقديم شكوى إلى مجلس الأمن، اتصل نتنياهو أمس، بالملك الأردني عبدالله الثاني.
وبحسب مصادر إسرائيلية فإن نتنياهو كرر التزام إسرائيل بالحفاظ على الوضع القائم في الحرم القدسي ومكانة الأردن الخاصة فيه، وفقاً لمعاهدة السلام بين الدولتين. ودعا الطرفان إلى إنهاء فوري لكل أعمال العنف والتحريض في القدس
السفير