سماحة الشّيخ عباس الحايك المحترم .
في البداية لنا الحقّ في التوضيح والردّ على الشبهات في المقالة والتي إعتراها ويعتريها التيه والريب في الدليل والتشّخيص والمقارنة في الدليل والإثبات ، بين من سعى وأسس لمنهجية فكرالمقاومة الحسيني والتي ولدت من رحم المعاناة التي عاشتها الطائفة الشّيعية في لبنان طوال عقود طويلة من القهر والإستبداد والظلم والحرمان منذ ما قبل تشكّل الدولة الحديثة وبعدها “عنيت بذلك سماحة السيّد الغائب الإمام موسى الصدر، وبين من سعى ويسعى دائماً إلى المنصب الدنيوي البالي والذي لا يليق بمكانة من تعمم وتعلّم ونهل علومه الفقهية في الحوزات الدينية، والتي تنطلق من أرث وتاريخ رسالة النبّي الأكرم محمّد ابن عبدالله وآل بيته الأطهار(ص) حيث لا يتردد في إطلاق مواقفه عبر وسائل الإعلام كافة بنعته الشّيعة في لبنان بأنّهم فرس وليسوا بعرب وهو الذي يتحفنا بمواقفه الإستسلامية وخاصة أثناء العدوان الصهيوني الكبيرعام 2006 والذي من المفترض أن لا يبالي بالمسائل الشخصية ويستعد لشحذ الهمم ويقف في محراب رسول الله (ص) ويدعوا إلى مواجهة العدو الصهيوني بكل قوة ، لا أن يشمت لسقوط شُهداء وضحايا من جراء العدوان الصهيوني على لبنان ويدعوا للإستسلام ولرفع الرّاية البيضاء “من على أسطح المنازل من خلال مواقفه.
أسأل سماحة الشيخ عباس . هل الإمام الحسين (ع) رفع الرّاية البيضاء على أرض كربلاء المجيدة ،أم وقف بثبات لم تهزه الجبال ضدّ بني أميّة وهي الطغمة المجرمة الحاكمة والفاسدة والظالمة والمغتصبة لحقوق البشر على إختلاف مشاربهم ؟ ألم يقل الإمام الحسين (ع) أنّي لم أخرج أشرا ولا بطرا ، إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمّة جدّي.
إنّ الهوية السياسية لحركة التشيّع في لبنان قد ولدت مع مجىء الصحابي الجليل أبا ذر الغفاري(رض) حينما وطأت قدماه أرض جبل عامل وبالتأكيد كان لا ينطق إلاّ باللغة العربية وهي لغة القرآن الكريم لغة “الضّاد” ولم يكن يحمل بين جنبيه وفكره الذي زرعه في أرض جبل عامل الأشمّ إلاّ الفكر المحمّدي الأصيل، إلى جانب كفاحه ونضاله في نشرحركة التشيّع مع الصحابي الجليل سلمان الفارسي (رض) والذي كان ينهل من حياة النبّي وآل بيته الأطهار(ع) ويحمل الرّسالة بين جنبيه ويبشرّها تحت كنف وظل من تولى رسالة الله على الأرض وقد قال رسول الله (ص) في حقّ الصحابي الجليل ، سلمان منّا أهل البيت، حيث لم يكن ينطق الفارسية وقد نطق بلغة القرآن الكريم بالرغم من أنّه من بلاد فارس.
أنّ أبرز ما ندركه نحن اليوم هو أنّ أئمة الشّيعة وقادتها وجميع الأنبياء والرّسل كانوا جميعاً ساسة وقادة تاريخيون كبار، ولأن سياستهم هي نهج وفكرٌ رّسالي وخيطاً وحبلاً ينظّمُ هؤلاء واحداً واحداً في مهنةٍ خاصة وهي السياسة في التربية والتهذيب وتزكية البشر لجوهر بعث الرّسالة السماوية والتي بعثوا من أجلها، بل أنّهم جعلوا حياتهم وإضطلاعهم في السياسة أمراً واجباً شرعياًً كالصلاة والصوم والحج وغيره ، وهنا أستشهد بقول الله تعالى * أدع إلى سبيل ربّك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن* وهذا هو الإنجاز الحضاري الأكبر والحقيقي لحركة التشيّع وللشّيعة في لبنان ، وأيضاً قال تعالى” وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضفين” وهنا إنجاز آخر يسجّل للشّيعة في حركتهم في لبنان وهو الدين العملي والعلمي معا ًوهذا هو الإنجاز الحضاري الهام، لأنّهم طبقوا ما ورد في آيات القرآن الكريم وجسّدوها في طريقهم وحياتهم السياسية وعملوا على وصل من أنقطع ووقفوا في وجه الغطرسة والظلم والإستبداد والقهر والحرمان ولم يزالوا.
لن أتحدث عن مراحل تاريخ الشّيعة في جبل عامل ومظلوميتهم إلا بالقدر اليسير من عصرنا الحاضر أي في مراحل نشأة المقاومتين في وجه العدوين الإثنين” مقاومة الحرمان ومقاومة العدو الذي جعل لبنان بأكلمه تحت رحمة الأقداروالأطماع الصهيونية منذ نشأة كيانها الغاصب على أرض فلسطين الجريحة والتي هي في عقل وقلب ووجدان الإمام وحركته المقاومة ، وألخّصُ ذلك بعدد من النقاط :
أولاً: إنّ الدين عند الله هو الإسلام ، ولا فرق لعربي على أعجمي إلاّ بالتقوى فالشّيعة في لبنان هم عرب أقحاح بنسبهم ولغتهم وعاداتهم وتقاليدهم متحدرون من نسب العرب وهم من سلالة عاملة بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان، ولم يكونوا من الفرس أوالعجم أو أنّهم ذابوا بالفرس كما تدعي سماحة فضيلة الشيخ الجليل ، بل أنّ الذي نقل حركة التشيّع إلى بلاد فارس هم علماء وفقهاء جبل عامل على مرّ التاريخ والعصور”وهنا لا نفرّق بين عرب وفرس وعجم” ولسنا بحاجة إلى فحص دماؤنا كي نثبت لبنانيتنا وهويتنا الوطنية في لبنان، بل أننا شركاء حقيقيين في بناء الدولة وبسط سلطتها وقد دفعنا بفلذة أكبادنا رخيصة من أجل أن تحيا حياة الآخرين ولم نزل في بناء مشروعية الدولة وكيانها على كافة المستويات.
ثانياً : حمل هذا الأرث العظيم وتوارثه كابر عن كابر حتى وصل إلى يدِ سماحة الإمام موسى الصدر وانطلق به على مساحة أرض الوطن لبنان وماّداً جسورالتلاقي والتعايش بين جميع مكوناته وإنتماءاته الطائفية والحزبية من يمين ويسار، ومعلناً أنّ شيعة لبنان هم من النسيج الوطني اللبناني العربي رغم إعتراضهم في البداية على تشكّل الدولة ونشوء الإستقلال، كما باقي الإعتراضات القومية وغيرها التي شهدتها الساحة في تلك الفترة ، ولم يخجلوا من مواقفهم الوطنية والإسلامية العربية والقومية وثبتوا ووقفوا بكل قوة مع الوهج العربي والعروبي الناصري “السنّي” المقاوم ، ضدّ نهج شاه إيران رضا بهلوي “الشّيعي” الإستسلامي للغرب الأميركي والصهيوني ،واحتضنوا القضية الفلسطينية معتبرين أنّها قضيتهم الأم في مواجهة العدو ومخططاته الرامية إلى تهويد القدس العربية وقد قال الإمام الصدر: أنّ فلسطين كل فلسطين هي ملتقى قيمنا وحضارتنا وهي مهد الديانات السماوية الثلاث التي نؤمن بها.
ثالثاً: بعد أن إستتب الأمرللإمام الصدر في بداية العهد الشهابي المؤسساتي وسقوط تيارالأحلاف الغربية على أملٍ أن تجري السلطة إصلاحات والخلل في بنية النظام السياسي في لبنان وتبدأ برفع الحرمان والدونية في المناطق التي تسكنها الطائفة الشّيعية ، بدأ نضاله وكفاحه بسلسلة من المطالب الإجتماعية الإصلاحية والتي نهبتها سلطة الإقطاع العائلي والقبلي الموروث ، فوعدوا وكانت وعودهم “شيكات بلا رصيد”وبنفس الوقت كان ينذرالخطر الفعلي من الحركة الصهيونية العالمية والتي إحتلّت فلسطين ونشأة بقرار دولي أممي على أرض فلسطين العربية والإسلامية، كان يدرك أنّ الخطرالصهيوني قادم إلى لبنان لا محالة, ولأن الفكرالصهيوني قائم على التوسع والإستيطان، وطامع بطبيعة وتاريخ لبنان الذي يناقض وجود الكيان الصهيوني في المنطقة بسبب التنوع والتعدد الطائفي اللبناني والذي وصفه سماحة الإمام بالنعمة والخير المطلق للبنان .
إنطلق الإمام بمد جسور التعاون والتلاقي وحوارالحضارات وبث روح الوفاق والوطنية اللبنانية العربية والعيش المشترك وله في ذلك مواقف عديدة أبرزها: التعايش الإسلامي المسيحي ثروة يجب التمسك بها. ولبنان بلد الرّسالات السماوية لا يمكن إلاّ أن يكون منيعاً وطنياً وعربياً في مواجهة ذات إسرائيل وكيانها الغاصب، وعندما لم تستجب له السلطة السياسية الحاكمة حيث لم يترك مناسبة إلا ويتحدث عن الخطر الفعلي للصهيونية العالمية ولكيانها الغير شرعي الذي يحيط بلبنان أسس حركة المحرومين أفواج المقاومة اللبنانية أمل من الشباب المؤمن بالله وبلبنان الواحد والموحّد لمواجهة الخطرالصهيوني وانطلقت أولى مواجهاتها مع العدو عام 1977 ولبنان غارق في إرهاصات الحرب الأهلية التي بثتها وزرعتها إسرائيل داخل كيانه وبين مكوناته المجتمعية ومناطقه.
رابعاً : بعد المؤامرة الصهيونية والتي نفذتها أيدي عربية معروفة من اليمين واليسارالمتطرفين وفي أبشع مؤامرة وجريمة لا توصف بحقِ لبنان وهي تغييب سماحة الإمام عن ساح الجهاد ، السبب هو أنّه كان يقف في وجه الحرب المؤامرة وأبرز وقوفه في إعتصامه الشهير في مسجد الصفا العاملية رفضاً للحرب وللتقاتل بين اللبنانيين والفلسطينيين معا ً، وإعلانه عن بدء إنطلاق مقاومة وطنية لبنانية ينفرد بها لبنان كي تقف في وجه المخطط الصهيوني وردعه ومنعه من التغلغل والإحتلال ، إذاً ، من أشعل نار الفتنة والحرب في لبنان عام 1975 هو من أقدم على فعل جريمة العصر ؟
بعد تغييب الإمام حملت إرثه حركة المحرومين أمل وجسّدت عناوين ومواقف الإمام بخطاب وطني لبناني جامع ونبذت كل أنواع الإنقسامات والدويلات الطائفية بين اللبنانيين وجعلتها كتاباً منشوراً واستعدّت وجنّدت لها كل طاقتها لتنفيذ حلم الإمام ونهجه الحسيني فانطلقت بمقاومتها وخاصة بعد إجتياح بيروت ثاني عاصمة عربية بعد القدس الشريف وقدمت قوافل الشّهداء بالآلاف وهزمت العدو الصهيوني وأنكفأ عن بيروت مروراً بالجبل وصيدا وصورمعلنة سقوط إتفاقية الذلّ والعار 17 أيار عام 1984 بانتفاضة جماهيرية تاريخية أعادت للبنان وجهه العربي الرّسالي، وحينما إنكفأ العدو وربط حزاماً أمنياً تحت سلطته بواسطة عملاء الداخل ضمن السيادة الوطنية، إستمرّت حركة أمل في مقاومتها حتى تحرير لبنان من العدو الصهيوني أيار عام 2000 رغم أنّ نضالها من أجل رفع ومقاومة الحرمان لم تتوقف بالمطلق وخاصةً بعد أن إرتضت الطائفة الشّيعية وقياداتها الروحية والسياسية وثيقة الطائف والتي سميّت بوثيقة الوفاق الوطني، والشاهد على ذلك بالعين المجرّدة ما حصل من إنقلاب واضح في البنى التحتية وبناء المدارس والمستشفيات وتعزيز دورالجيش الأمني والإنمائي والأجهزة الأمنية الأخرى في بسط سلطة الدولة وشرعيتها العادلة وشقّ الأوتسترادات وربط الأٌقضية والمدن والبلدات بعضها ببعض، وبناء علاقات أخوية مع المحيط العربي كافة لا سيما علاقته المميزة والممتازة بالشقيقة سوريا بسبب صلاة القربى والجوار والعلاقات الأخوية التاريخية والجغرافية واحتضان القضية الفلسطينية بكل أبعادها التاريخية وهذا ما كان يطالب به سماحة الإمام السلطة الحاكمة في لبنان منذ عدة عقود من الزمن .
كلمتي الأخيرة في هذا الردّ هو أنّ حركة أمل كحركة لبنانية عربية لا زالت تنظر بعين سماحة الإمام موسى الصدر وتمارس دورها الطليعي في الدفاع عن لبنان كياناً وشعباً ومؤسسات رسمية من خلال وهج وفكر سماحة مؤسس المقاومة في لبنان الإمام موسى الصدر ونهجه الحسيني المقاوم كي تعم العدالة والمساواة بين أبناء لبنان الواحد والموحّد .
بقلم : محمّد الزّين رئيس تحرير موقع أفواج أمل الإخباري .
– See more at: http://www.afwajamal.com/inf/articles.php?action=show&id=10088#sthash.ExD2neMw.dpuf