42سركيس نعوم سركيس نعوم
13 كانون الثاني 2016
لم يرِد في ذهن أحد من اللبنانيّين أن نائب زغرتا سليمان فرنجيه لا يحظى برضى صديقه الشخصي وحليفه الاستراتيجي وصاحب “الخط” الذي أسّسه الراحل حافظ الأسد قبل اندلاع الثورة الإسلامية وقيام الجمهورية الإسلامية في إيران الرئيس السوري بشار الأسد. ولذلك اعتبروا كلّهم أن مبادرة الرئيس سعد الحريري لترشيحه لرئاسة الجمهورية بإسم “تيار المستقبل” وبعض قوى 14 آذار، كما بإسم المملكة العربية السعودية وفرنسا والفاتيكان وأميركا، لا بدّ أن تكون دُرست مع الأسد الإبن وحازت موافقته. كما لا بدّ أن تكون بسبب ذلك نالت موافقة “حزب الله” وحليفة الاثنين إيران.
لكن ردود الفعل السلبية التي أحبطت المبادرة أظهرت أن موقف سوريا الأسد لم يكن مؤيِّداً للمبادرة رغم امتناعها رسمياً ومباشرة عن انتقادها، أو عن رفضها أو عن شرح الأسباب التي تدعوها إلى عدم الرضى عنها. كما أن المعلومات المتوافرة عن الاتصالات بين فرنجيه والأسد حولها أظهرت موقفاً سلبياً جداً منها. والأوساط المتابعة لملف الرئاسة في لبنان والتطوّرات في الإقليم والمنطقة تمتلك قسماً مهمّاً من هذه المعلومات، وتعتقد بضرورة إطلاع اللبنانيّين عليها “تعميماً للفائدة” ومنعاً للخطأ.
وهي تشير أولاً إلى أن الأسد كان معارضاً أو بالأحرى ضد المبادرة الرئاسيّة الحريرية، وإن كان من شأنها إيصال صديقه وحليفه سليمان فرنجيه إلى رئاسة جمهوريّة لبنان. وقد أبلغ إليه موقفه هذا على الأقل ثلاث مرّات، واحدة مباشرة وإثنتين بالواسطة. المرّة الأولى كانت عندما اتّصل فرنجيه بمدير مكتب الرئاسة في دمشق طالباً منه نقل رسالة تُفيد أنه سيزور العاصمة الفرنسية باريس للاجتماع بالحريري وللبحث معه في ملء الشغور في رئاسة لبنان الذي بدأ يصبح مزمناً. وقد أتاه لاحقاً الجواب عبر الشخص نفسه. وكان جوهره التنبيه من الوقوع في الخطأ وضرورة التحلّي بالحذر في هذه المرحلة الدقيقة. وقال له الأسد عبر مدير مكتبه أيضاً إنّ رئاسة الجمهوريّة اللبنانيّة لا يقرّرها الآن شخص فيها أو جهة، إذ أن هناك محوران يتصارعان إقليمياً ودولياً، ونتائج الصراع هي التي ستحدّد أموراً كثيرة منها الرئاسة المذكورة. وقال له أخيراً: “نحن الآن في وضع إقليمي جيد ومُتحسّن”. ودعاه أخيراً إلى “التشاور” مع السيد حسن نصرالله الأمين العام لـ”حزب الله”. والمرّة الثانية كانت عندما زار النائب طلال ارسلان الرئيس الأسد في سوريا. وظهرت أهميّة الزيارة من إصراره على متابعتها رغم حادث الاصطدام الذي حصل لِسيارته، وأيضاً تحمّسه للموضوع الذي أراد إثارته فيها وهو وصول فرنجيه إلى الرئاسة. وقد يكون مبرّر الحماس صداقته له وأيضاً إفادته من ذلك بالبقاء وزيراً مدة ست سنوات، وبمحاولة استعادة ثنائية ما في الزعامة الدرزية غابت في حرب لبنان ولم تعد بعد انتهائها. لكنّه غيّر موقفه بعد الزيارة بسبب سلبيّة الأسد. وأطلع فرنجيه على نتائجها بواسطة موفد له استقبله لاحقاً. تضمّنت الرسالة “دعوة إلى التشاور مع السيد نصرالله والى عدم القطيعة مع عون، وإشارة إلى أن رئاسة الجمهورية لم تعد ذات صلاحيات مهمّة، وكل شيء سيكون في يد الحكومة التي سيترأسها الحريري على ما ينص “الكتاب”. وهو حليف للسعودية وضد محورك ومحورنا وهما واحد. فلماذا التربّع على سدّتها الآن؟ الميزان الإقليمي يتغيّر لمصلحتنا ولذلك من الأفضل الانتظار”.
أما المرّة الثالثة فكانت عند قيام المرشّح الرئاسي سليمان فرنجيه بزيارة الرئيس الأسد في سوريا بعد عودته من اجتماعه بالرئيس سعد الحريري في باريس. وقد سمع منه الكلام نفسه الذي وصله في صورة غير مباشرة في المرّتين الأوليَيْن.
وتُفيد معلومات الأوساط المتابعة نفسها أن الأسد انزعج كثيراً بعد الزيارة من تمسّك فرنجيه بالمبادرة الرئاسيّة في مقابلته التلفزيونيّة الأخيرة وهجومه في أثنائها على العماد ميشال عون، وعبّر عن ذلك صراحة. وفي نهاية اللقاء أظهر فرنجيه تجاوباً واستعداداً للانسجام مع “الخط” الذي هو جزء منه.
ماذا بعد إحباط المبادرة الرئاسيّة الحريرية؟
sarkis.naoum@annahar.com.lb
النهار