قاسم قصير
يشعر أطراف تحالف سوريا ــ إيران ــ «حزب الله»، أن مرحلة الضغط انتهت، وأن الهجوم السياسي والتهديد العسكري اللذين بلغا ذروتهما قبل أسابيع، قد تم إحباطهما بالكامل، مما يسمح لهذا المحور بهامش واسع من الحركة التي تؤمّن له ترجمة انتصاره الجديد في المواجهة الأخيرة.
لكن هذا «التحالف» لا يسعى إلى التصرف من موقع المنتصر لاستثمار النتائج في حساباته السياسية في المنطقة، وهو ما ظهر واضحاً في ثبات أطراف هذا المحور على رؤيتهم ومواقفهم السياسية، إن بالنسبة للملف السوري أو بالنسبة للوضع في لبنان، أو حتى بالنسبة لواقع المنطقة بشكل عام.
ففي لبنان، لم يتصرّف «حزب الله» على قاعدة انتصار تحالفه في المنطقة، ولم يحاول الانقضاض على الوضع الداخلي سياسياً لفرض واقع مختلف، بل على العكس، ذهب «حزب الله» أكثر للتناغم مع الواقع الداخلي والتمسّك بثوابته التي أعلنها عندما كانت الهجمة الشرسة عليه تطالب برأسه، تماماً كما فعل بعد انتصاره في العام 2000 بعد التحرير، وكما فعل بعد انتصاره في عدوان تموز على لبنان.
وكان لافتاً أن «حزب الله» سارع إلى التصرّف بوحي الواقع الداخلي والتزامه بمفهوم الدولة، فانكفأ عن ممارسة دور أمني في الضاحيـة وبعلبك ومختلف المناطق التي كان اتخذ فيها إجراءات احترازية من السيارات المفخخة.
كما أن الحزب حافظ على خطابه السياسي ذاته المتعلّق بتشكيل الحكومة، فلم يعمل على قلب الطاولة في هذا الملف، وإنما عمل بمبدأ المشاركة في الحكومة على قاعدة الحكومة الجامعة التي تتمثّل فيها القوى السياسية بحسب أحجامها النيابية.
وفي سوريا، فإن النظام لم يبالغ في تظهير واقعه الجديد، وإنما بدا أكثر واقعية بقبوله الجلوس إلى طاولة مؤتمر جنيف ـ 2 لمعالجة الأزمة بالحل السياسي، برغم معرفته بحصول تغيير في الغرب في الموقف من طبيعة الأزمة، حيث اقتنعت أوروبا والولايات المتحدة الأميركية بأن الحرب في سوريا هي مع «الإرهاب» وأن هذا الخطر بات يتجاوز حدود سوريا.
وفي إيران، تبدو القراءة أكثر واقعية، برغم ما حققته من إنجازات سياسية كبيرة، حيث تؤكّد مصادر إيرانية مطلعة «أن محور المقاومة، الممتد من طهران حتى بيروت مروراً بدمشق وبغداد وفلسطين، يحقق اليوم انتصارات مهمة سياسياً وعسكرياً بعد فشل كل المحاولات لإسقاط دمشق، سواء من خلال التحريض والتهديد بشن عدوان اميركي – غربي عليها، او من خلال دعم المجموعات المسلحة العسكرية لاحتلالها».
وتضيف المصادر الإيرانية: «إن عودة الأميركيين والغربيين لاعتماد الخيار السياسي والمفاوضات، إن في معالجة الازمة السورية او الملف النووي الايراني وإسقاط الخيارات العسكرية وتحديد موعد لعقد مؤتمر جنيف ـــ 2 وعقد الاجتماع الايراني ـــ الغربي واتصال الرئيس الاميركي باراك اوباما بالرئيس الايراني الشيخ حسن روحاني، كل ذلك يؤكد ان ما كانت تسعى اليه بعض الاطراف الدولية والإقليمية والعربية، من دفع المنطقة نحو حرب شاملة بهدف إسقاط محور المقاومة، قد فشل، وما يجري اليوم يشبه الى حد بعيد نتائج عدوان تموز 2006، ان لم يكن الانتصار الذي تحقق سيكون اهم بكثير من الانتصار الذي تحقق عام 2006 بنتائجه السياسية والعسكرية والاستراتيجية والدولية».
وتكشف المصادر «ان ما يسمى محور الاعتدال في المنطقة، المدعوم من جهات دولية وإقليمية، قد وضع خطة منذ ثلاثة اشهر لإسقاط النظام السوري واحتلال دمشق وإقامة توازن ميداني جديد في سوريا تمهيداً لعقد مؤتمر جنيف – 2 ومن اجل فرض شروطه السياسية، وعندما فشلت الخطة لجأ لاستعمال الملف الكيماوي لتحريض الأميركيين وبعض الجهات الدولية لشن حرب شاملة في المنطقة، لكن المعطيات العسكرية والدولية ودور الرأي العام الدولي ودور الكنيسة الكاثوليكية، كل ذلك ادى لفشل الخطة الجديدة والعودة للاتفاقات الدولية بين الروس والاميركيين، وكان لحزب الله والجمهورية الإسلامية الإيرانية دور فاعل في هذه التطورات، مما فرض على الاميركيين والغربيين العودة للجلوس إلى طاولة المفاوضات والاعتراف بالوقائع الجديدة، خصوصاً دور ايران وحلفائها المحوري في المنطقة، مما يعني اننا دخلنا في مرحلة جديدة، وعلى الجميع الاعتراف بوقائعها ونتائجها والتعاطي على اساسها».
وتتابع المصادر: «ان قوى محور المقاومة مستعدة للتفاوض والحوار مع جميع الاطراف في المنطقة، لأن من مصلحة الجميع التوقف عن التصعيد الاعلامي والسياسي والميداني وعدم البقاء في حالة استنفار، والتوقف عن التصعيد المذهبي وإعادة دراسة وتقييم ما جرى خلال السنتين الماضيتين من أحداث والاستفادة من الأخطاء التي حصلت، وعلى الجميع ان يدركوا ان مصلحة شعوب المنطقة تتطلب الحوار والتواصل والبحث عن المصالح المشتركة، وأن ايران مستعدة للحوار والتعاون مع الجميع، خصوصاً السعودية، من اجل معالجة كل الملفات ووقف اجواء التحريض والتصعيد، وأن أي رهان على ضعف دور قوى ودول محور المقاومة أو تراجعها ليس في محله، لأن هذا المحور نجح في مواجهة التهديدات والهجمات التي شنت عليه خلال السنتين الماضيتين».
وأما بشأن الأوضاع الايرانية الداخلية، فأكدت المصادر: «ان العهد الجديد برئاسة الشيخ حسن روحاني حقق انجازات كبيرة خلال مرحلة قصيرة، وقد انتقل من مرحلة الدفاع الى مرحلة الهجوم، وما يقوم به يحظى بدعم وتأييد الولي الفقيه ومرشد الجمهورية الاسلامية السيد علي خامنئي، وأي رهان على وجود خلافات او تراجع في السياسة الإيرانية ليس في محله».
وتختم المصادر الإيرانية: «نحن اليوم نعيش في مرحلة جديدة دولياً وإقليمياً وعربياً وإسلامياً، وعلى الجميع ان يدركوا حجم التغيرات التي حصلت على ضوء التطورات الاخيرة، ويعملوا على اساسها».
شاهد أيضاً
في رثاء الحاج طلال شرارة (أبو علي)
قم أيها الحبيب! رد هذا التراب عن وجهك وحدثنا فنحن لم نودعك كما الزوجة والأبناء …