العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله
من الطبيعي أن يسيء هذا التناقض إلى تربية الولد، ويعطِّل مفعول النّواهي والأوامر التي يقدّمها الأب والأمّ في مجال التوجيه، لأنَّ الولد عندما يسمع كلمة النّهي عن سلوكٍ ما، ويرى والديه يقومان به، يفهم أنَّ هذا النهي ليس جدّياً، وخصوصاً أنّه لا يكون قادراً على التّفريق بين مساحتي القول والفعل. ونحن نعرف أنَّ تأثير القدوة في أيّ إنسان أقوى من تأثير القول.
لذلك، فإنّنا نتصوّر أنّ هذا التناقض من المسائل الخطرة على التربية، ليس بالنّسبة إلى الأطفال فحسب، بل بالنسبة إلى المجتمع ككلّ.
لذلك، يستنكر الله سبحانه بشدّة على المؤمنين أن يتركوا مساحةً بين قولهم وفعلهم: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ }[الصف: 2 ـــ 3]. باعتبار أنّ هذا التناقض يؤثّر سلباً في صاحبه أوّلاً، وفي مَنْ يرونه أيضاً.
وقد ورد في الحديث: “أفضل الأدب ما بدأت به نفسك”1، فإنّ للأخلاق التي يتمثّلها الأب بسلوكه في حياته العائليّة، تأثيرها الكبير في معنى القدوة على كلّ أفراد عائلته، إضافةً إلى الوسائل التربوية الأخرى…
[أمّا] أهمية القدوة وعظمة تأثيرها في نفس الإنسان المقتدي، فتكمن في تقديمها للولد الفكرة مجسّدةً في واقعها الخارجيّ.لهذا، نجد أنَّ الله كما أكّد ضرورة الالتزام بما قاله الرسول: { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا }[الحشر: 7]، أكّد أيضاً، وبشكلٍ أكثر قوّةً، كونه قدوةً للمسلمين: { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيراً }[الأحزاب: 21].
ويتجلّى هذا التّأكيد واضحاً فيما ورد عن الإمام الصّادق (ع)، حيث يقول: ” كونوا دعاةً للناس بالخير بغير ألسنتكم، ليروا منكم الاجتهاد والصدق والورع “2.
وهو أمر ينطبق على تربية الأطفال بصورة أقوى ممّا ينطبق على الراشدين، لأنّ الطّفل مُقلِّد ماهر يمتصّ ما يراه بشكلٍ أكبر، ولا يستطيع التفريق ـــ كما قلنا سابقاً ـــ بين القول والفعل، بحيث يرى أنَّ هذا الإنسان يملك الفكرة الصّحيحة، ولكنّه لا يطبّقها مثلاً، خلافاً للكبار الذين يستطيعون أن يفهموا ذلك ويفلسفوه، لذلك ورد في بعض الأحاديث: “إذا وعدتم الصبيان ففوا لهم، فإنّهم يرون أنّكم الّذين ترزقونهم”3.
*من كتاب “دنيا الطّفل”.
[1]ميزان الحكمة، محمّد الريشهري، ج1، ص 51. [2]بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج67، ص 309. [3]الكافي، الشّيخ الكليني، ج6، ص 50.