كتب السيد محمد طاهر الحسيني
أمير الأخلاق
(السيد محمد حسين فضل الله )
يوم كان شابّاً ، شغله همّ الدعوة الى الله ، فانخرط في العمل الحركي ، والعمل الوعظي ، خصوصاً في أوساط الفقراء والمعدمين ، بالنجف الأشرف ، ولم تصرفه عن ذلك ؛ التقاليد السائدة لدى أبناء العوائل الدينية ، وهو ابن أسرة علمية معروفة ، وهو في أوج عنفوانه ، طالب علم وشاعر طموح ..
تكرّست سليقته هذه في لبنان ، عند عودته الى موطنه ، فانحاز الى المعدمين في (النبعة) ، فجمع الشباب حوله ( وهم اليوم رموز المقاومة) وبدأ مشوار العمل الخيري ..
فضلاً عن نشاطه العلمي والبحثي ، يوم صار ممثلاً للمرجعية العليا بالنجف ، وتحديداً السيد الخوئي .. واستثمر موقعه في التأسيس لمشروعه الاجتماعي ، الذي عجزت عن المضي به مؤسسات كبيرة ، من مشافي ، ومعاهد ومدارس ومبرات أيتام ومراكز إيواء ، ومراكز ثقافية ومنابر إعلامية ..
ذلك كله ، لم يمنعه من العمل الحركي والجهادي ، ومن تحت عباءته انطلقت المقاومة ، وظل راعياً وكهفاً رصيناً لها ، على حدّ وصف السيد حسن نصر الله ..
قامته العلمية والسياسية ، لم تدفعه للتعالي على وظيفته الأساسية ، كونه داعياً الى الله ، مبلّغاً الدين بعقلانية وعلمية رصينة ..
أجمل مافي السيد فضل الله ، إنه يتلو الزيارات المعروفة للمصطفى وآله ، ويصلي على الأموات ، ويوعظ ويخطب ، ويؤم المصلين جماعة ، من دون أن يكون لعديدهم حساب في نظره ..
ومما أذكره ، أنه كان يؤم المصلين في حسينية ( السبطين) في السيدة زينب (ع) بناءً على طلب المتولي كونها مكاناً لتجمع عدد كبير من الزائرين من السعوديين ، ثم تناقص عددهم بسبب انتهاء فصل الصيف ، فعرضت عليه انه لم يعد ذلك مناسباً ، فأجابني إننا نصلي لله تعالى ، زاد عديد المصلين أم نقص ..
كان مواظباً على الحضور لالقاء محاضرة ، دون أن يمنعه طاريء صحي أو طبيعي ( ثلوج أو عواصف ) ، وطالما قطعنا معه المسافات الطويلة لهذا الغرض ..
ورد في مذكرات الشيخ محمد تقي الفقيه (نشرت في مجلة الموسم) انه في الاجتياح الاسرائيلي لبيروت ، خلت من الناس ، وكان من عادة الشيخ إقامة مجلس العزاء للسيدة الزهراء (ع) ، فاعترض عليه نجله انه لم يعد أحد من السكان في بيروت ، ولكنه في اليوم الثاني حضر السيد فضل الله ، وألقى محاضرة بالمناسبة ..
محمد حسين فضل الله ( شاعر الله) ، يغرّد بلسان محمد وآله الأبرار ، يتلو دعاء كميل ، والافتتاح ، وأبي حمزة الثمالي .. يغرس في النفوس حبّ الله والذوبان فيه ..
محمد حسين فضل الله ، كان مشغولاً بنفسه وعمله ومسؤولياته ، الى آخر يوم من حياته المباركة ، فلم يدخل بصراعٍ مع أحد ٍ ، ولم يوظّف مؤسساته بشيمة خصومه والمهرجين ضده ، ولا التشهير بهم ..
رحل الى ربه عفيف اللسان ، ليّناً في الردّ على متهميه ..
طيبّ الله ثراه ، وأعلى مقامه ودرجته لديه ، وجزاه خير جزاء المحسنين..