صدر أمر ملك آل سعود بالفتنة في لبنان. رشوة السعودية للرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، بثلاثة مليارات دولار، وتحويل مردودها إلى لبنان، مشروطان بتأليف حكومة امر واقع، لعزل حزب الله، وفتح معركة معه في لبنان. معركة ستنهي بلا شك كل ما بقي من آثار الدولة
هل صدر قرار سعودي ــ فرنسي بوضع لبنان مجدداً «في فم التنين»؟ هل اتخذ القرار بتفجير البلاد وتحطيم ما تبقى من هيكل الدولة ودستورها ومؤسساتها المعطلة؟ وهل يريد فريق 14 آذار، برئيسه الجديد رئيس الجمهورية ميشال سليمان، فتح معركة في لبنان في وجه حزب الله، بهدف دفع الحزب إلى سحب مقاتليه من سوريا؟
كل المؤشرات السياسية تدل على أن طرح هذه الأسئلة بات مشروعاً. في الجزيرة العربية، يجتمع الملك عبدالله بن عبد العزيز والرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند (الذي التقى في الرياض الرئيس سعد الحريري)، ليقررا صرف «مكرمة ملكية» قيمتها 3 مليارات دولار تُدفع مباشرة لفرنسا، لقاء تسليم الجيش اللبناني أسلحة ومعدات. وهذه «المكرمة» مشروطة بتأليف حكومة لا يشارك فيها حزب الله. رئيس الجمهورية تولى الإعلان عن «المكرمة »، وتنفيذ الشروط. وقبل أسابيع، أبلغ كلاً من الرئيس نبيه بري والنائب وليد جنبلاط وحزب الله نيته تأليف «حكومة حيادية» من دون استشارة أحد في أسمائها، وفق تشكيلة يقدمها له الرئيس تمام سلام من 14 وزيراً. وحدد سليمان موعداً لذلك: بعد عودته من إجازة رأس السنة التي سيقضيها في بودابست، وقبل يوم 7 كانون الثاني 2014.
حاولت قوى 8 آذار وجنبلاط ثني الرئيسين سليمان وسلام عن هذه الخطوة، لكن سليمان أصر. لا عودة إلى الوراء. قبل اغتيال الوزير محمد شطح وبعده. وفيما كان بعض «المتفائلين» قد توقعوا، بعد جريمة يوم الجمعة الماضي، أن يعيد سليمان النظر في قراره، بسبب الانكشاف الأمني الذي تعاني منه البلاد، هربت قوى 14 إلى الامام، مستعجلة المطالبة بالعودة إلى الحكم، ومن دون شراكة مع حزب الله، لتكون الخطوة استكمالاً لما جرى بعد اغتيال اللواء وسام الحسن، والقرار السعودي الذي أبلغه حينذاك الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي، عبد اللطيف الزياني، لسليمان: على حزب الله أن يختار، إما المشاركة في القتال في سوريا أو المشاركة في الحكومة. بعد ذلك، أسقطت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي.
بعد اغتيال شطح، وصلت مطالب 14 آذار إلى ذروة الوضوح بالمطالبة بعزل حزب الله عن الحكم، وعدم الحوار معه. وتعليقا على «المكرمة» السعودية، قال رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع بوضوح تام: «السلطة السياسية هي الأساس وهي مطلبنا، وإلا فلا شيء ولا هبات مادية تنفعنا».
مسؤولو تيار المستقبل وباقي مكوّنات قوى 14 آذار عبّروا كذلك عن التوجه ذاته: نريد حكومة من دون حزب الله.
وقالت مصادر قيادية في هذا الفريق لـ«الأخبار»: «أبلغنا موقفنا للرئيس سليمان أن أي مفاوضات بشأن أي حكومة شراكة مع الطرف الآخر غير واردة. وطلبنا منه أن يفعل ما يراه مناسباً لأن الكرة في ملعبه».
النائب وليد جنبلاط يعارض هذه الخطوة. وبحسب مصادره، فقد أبلغ سليمان وسلام موقفاً واضحاً: هذه الخطوة تشبه قرارات 5 أيار التي اتخذناها في حكومة الرئيس فؤاد السنيورة عام 2008، والتي أدت إلى أحداث 7 أيار. اليوم، البلاد تحتاج إلى حكومة وحدة وطنية تسحب الخلافات من الشارع». وأكّد جنبلاط للرئيس نبيه بري أنه لن يمنح الثقة لأي حكومة لا يوافق عليها بري وحزب الله.
قوى 8 آذار لا تزال تتكتّم على ما ستقوم به رداً على تأليف «حكومة أمر واقع تحت شعار الحياد». بعض غلاة هذا الفريق يقولون إن حكومة كهذه «ستكون ممنوعة من الحكم، حتى لو أدى ذلك إلى دخول السرايا الحكومية. وما منعنا عام 2006 من اقتحام السرايا التي كان فيها السنيورة هو الاتصال بين علي لاريجاني وبندر بن سلطان، اللذين أجريا وساطة بين القوى السياسية اللبنانية رسمت خطاً أحمر للتحركات. واليوم، خطوط الاتصال مقطوعة، ولن يمنعنا أحد من الدفاع عن حقوقنا». تضيف هذه المصادر: «خطة بندر في هذه اللحظة هي تأليف حكومة أمر واقع من أجل جر الحزب الى الشارع تحت وهم أنه سيضطر تحت ثقل الضغط الأمني الداخلي إلى الانسحاب من سوريا لحشد كل طاقاته في لبنان. هم يجهلون أن الحزب أعدّ العدة لمواجهة التحديات الامنية في حال واجهته على أكثر من جبهة، وبما يلبّي مهمة الدفاع عن المقاومة».
بقية قوى 8 آذار ترفض الكشف عمّا سيكون عليه رد الفعل حيال حكومة أمر واقع. تكتفي مصادر بارزة في هذا الفريق بما تقول إنه «توصيف للواقع». برأيها أن «قرار تأليف حكومة أمر واقع يأتي في إطار الحرب الذي تخوضها السعودية في المنطقة، من سوريا والعراق والبحرين وصولاً إلى لبنان. وبندر بن سلطان لا يزال يراهن على تغيير ما في الميدان السوري، فيتحرك صوب موسكو التي تصدّه، ويهجم في البحرين والعراق، ثم في لبنان، لتحسين ظروفه في سوريا. والمطلوب سعودياً تأليف حكومة الأمر الواقع قبل مؤتمر «جنيف 2»، لهدف تفصيلي هامشي، وهو أن يكون الوفد اللبناني في المؤتمر جزءاً من الوفود التي تريد فرض حصار على الوفد الرسمي السوري. أما في الداخل اللبناني، فتأليف حكومة كهذه يعني إضافة مسمار جديد إلى نعش اتفاق الطائف، بعد المسمار الأول الذي دقّه فريق 14 آذار عندما حكم منفرداً في حكومة السنيورة الأولى». تضيف المصادر: إذا كانت حكومة (الرئيس) سعد الحريري قد عجزت عن الحكم، وحكومة ميقاتي بالكاد أصدرت قرارات روتينية، فكيف يتوقع سليمان وسلام وفريق 14 آذار أن تحكم حكومة يعارضها أكثر من نصف الشعب اللبناني (8 آذار والتيار الوطني الحر والنائب وليد جنبلاط)، هذا إذا افترضنا أن أي وزير لن ينسحب منها؟». تطرح المصادر السياسية البارزة في فريق 8 آذار المزيد من الأسئلة: «كيف سيتوقعون الحصول على الثقة؟ وهل ستستطيع هذه الحكومة أن تنفذ قرارات إدارية ستتخذها؟ وماذا عن القرارات السياسية؟ ألا يعرفون أن حكومة بلا ثقة عاجزة عن ممارسة صلاحيات رئيس الجمهورية في حال الفراغ؟». وتختم المصادر بالقول: «إلى أين يأخذون البلاد؟ حتى الآن، فريقنا لا يزال متمسّكاً بالمواجهة السلمية. وهم لم يقدموا لنا إلا نموذجين: الهجوم على مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني في مسجد الخاشقجي، وعبارة «عاشت المملكة العربية السعودية».
وبالعودة إلى العبارة الأخيرة التي قالها سليمان في كلمته التي أتت بعد إلغاء مؤتمر صحافي دعت إليه دوائر القصر الجمهوري، فإنها صدرت في وقت كانت فيه بيروت تشهد مواجهات في مسجد الخاشقجي، وسط مخاوف من تدهور الاوضاع، الأمر الذي أوحى أن سليمان في صدد طرح مبادرة ما لإنقاذ الوضع. حتى حلفاء سليمان في 14 آذار فوجئوا بمضمون الإعلان الرئاسي، وخصوصاً أن سليمان تحدث مع بعض شخصياتها على هامش تقديمه التعازي بالوزير محمد شطح عن أنه «سيعلن موقفاً تاريخياً، وأنه سيعلن مبادرة قد تغيّر وجه لبنان».
لكن المفاجأة أن سليمان اكتفى بإعلانه «المكرمة» السعودية التي حصرت صفقات الأسلحة بفرنسا، رغم أن تسليح الجيش يكاد يقتصر منذ عهد الرئيس أمين الجميّل على السلاح الأميركي. وأتت هذه «المكرمة» في إطار السعي الفرنسي لتوقيع اتفاق لشراء الرياض صواريخ أرض جو من باريس.
الأخبار.