شرق ديربورن .. مدينة كان اسمها فوردسون
أحمد السبلاني – «صدى الوطن»
لا يتطلب الأمر كثيراً من التدقيق لملاحظة الفرق الكبير بين شرق مدينة ديربورن وغربها، سواء من حيث تنظيم الأحياء أو نوعية البنى التحتية أو جودة الحياة عموماً.
ولهذا الاختلاف أسباب عديدة متجذرة في تاريخ المدينة التي احتفلت الأسبوع الماضي بعيد تأسيسها الـ90. فما قصة المدينتين القديمتين اللتين اندمجتا معاً لتشكيل مدينة ديربورن في 15 كانون الثاني (يناير) 1929؟
من الاستعمار إلى الاستقلال
خضعت ميشيغن وعموم أراضي البحيرات العظمى لسلطة التاج الفرنسي من العام 1668 وحتى 1763 وكانت تابعة إدارياً لحكومة كيبيك، وشهدت هذه الحقبة تأسيس مدينة ديترويت عام 1701.
وكان سكان المنطقة الأوائل من المهاجرين الفرنسيين الذين انتقل بعضهم من ديترويت للعيش والزراعة على ضفاف نهر الروج حيث أقاموا علاقات تجارية مع السكان الأصليين وأنشأوا ما عُرف بالمزارع الشريطية باسم Ribbon Farms وهي أراض زراعية ضيقة تم استصلاحها على ضفاف الأنهر لاسيما نهر الروج وروافده.
في العام 1763 انتزعت بريطانيا السيطرة على ميشيغن عقب انتصارها على فرنسا في «حرب السنوات السبع»، فخضعت المنطقة للتاج البريطاني حتى العام 1796 بتوقيع «معاهدة جاي» Jay Treaty التي تم بموجبها ترسيم الحدود الكندية الأميركية التي نعرفها اليوم، وتنازلت بموجبها بريطانيا عن مناطق شاسعة –بينها ميشيغن– لصالح الولايات المتحدة الأميركية التي كان قد مرّ على إعلان استقلالها 20 عاماً.
ديربورن تاونشيب 1833
في العام 1825، شُقّت قناة إيري وبدأت أمواج جديدة من السكان تنتقل للعيش في إقليم ميشيغن، حيث عملوا في الزراعة وتجارة الأخشاب وصناعة الملبوسات والأحذية.
ومع زيادة عدد السكان في المناطق القريبة من ديترويت، برزت الحاجة إلى فرز وتنظيم الأراضي إدارياً، فتم في العام 1833 تقسيم مقاطعة وين إلى بلدات (تاونشيب)، وبينها ديربورن تاونشيب التي امتدت من شارع إنكستر غرباً إلى غرينفيلد شرقاً ومن شارع جوي شمالاً إلى فان بورن جنوباً. وكان يفصلها عن مدينة ديترويت في الشرق، بلدة سبرينغولز.
وتضم ديربورن تاونشيب التاريخية اليوم: الجزء الغربي من مدينة ديربورن (غرب غرينفيلد)، وكامل مدينة ديربورن هايتس، إضافة إلى الجزء الشرقي من مدينة إنكستر ومنطقة وورنديل في ديترويت.
التسمية
أُطلق على البلدة اسم ديربورن تخليداً لوزير الحرب الأميركي السابق الجنرال هنري ديربورن الذي شارك في حرب الاستقلال الأميركية وحرب 1812 ضد بريطانيا، والتي كانت منطقة البحيرات العظمى مسرحاً رئيسياً لها. وأسفرت تلك الحرب التي كانت جزءاً من الحروب النابليونية عن استسلام حامية ديترويت وسقوطها من دون قتال بيد القوات البريطانية المتقدمة من الأراضي الكندية بسبب انقطاع الإمدادت عنها.
نشأة عسكرية
كان لحرب 1812 الدور الأبرز في ولادة مدينة ديربورن، حيث قرر القادة الأميركيون بعد نهاية الحرب وانسحاب البريطانيين، إنشاء ثكنة عسكرية قريبة من ديترويت للدفاع عنها ومدها بالعتاد والسلاح في حال تعرضها لهجوم آخر في المستقبل.
وفي عام 1830 أقرّ الكونغرس بناء ثكنة عسكرية جديدة تحتوي مستودعات استراتيجية للأسلحة والمتفجرات، بعدما لمس المشرعون خطورة الإبقاء على هذا النوع من الأسلحة بين السكان داخل مدينة ديترويت (دوانتاون ديترويت اليوم)، فوقع الاختيار حينها على منطقة نائية (في معايير ذلك الزمان) وهي «داونتاون» وست ديربورن اليوم، لما تتمتع به من مقومات استراتيجية عسكرياً (أيضاً بحسب معايير ذلك الزمان)، بسبب وقوعها على نهر الروج وإطلالها على «طريق شيكاغو القديمة» Old Chicago Road (ميشيغن أفنيو)، إضافة إلى سكة الحديد التي كان قد بدأ التخطيط لإنشائها.
ديربورنفيل 1935
سريعاً جذبت الثكنة الجديدة إلى محيطها، السكان الجدد والأعمال التجارية الصغيرة (مركز بريد، حانة، فندق إلخ) فتأسست حولها قرية ديربورنفيل عام 1835 (داونتاون وست ديربورن اليوم).
أقدم مبنى
في العام 1837، تم الانتهاء من تشييد الثكنة (ترسانة ديترويت في ديربورنفيل)، وكانت تضم 11 مبنى ومستودعاً ضمن حصن مربع الشكل تحيطه أسوار بعلو 10 أقدام. ولايزال مبنى واحد من مباني الثكنة قائماً حتى اليوم، وهو مقر القيادة الذي أصبح «متحف ديربورن التاريخي» Dearborn Historical Museum في العام 2010، وهو أحد أقدم المباني القائمة في ولاية ميشيغن كما أنه مدرج على اللائحة الوطنية للمواقع التاريخية في الولايات المتحدة.
يذكر أنه في العام 1877 أُعلنت الثكنة، غير ذات فائدة عسكرية فلجأت الحكومة الفدرالية إلى عرض مبانيها للبيع في مزاد علني.
إعلان الولاية وإنشاء سكة الحديد
كان العام 1836 مفصلياً في تاريخ ميشيغن التي أعلنت أنها الولاية الأميركية الـ26 بعدما كانت إقليماً Territory. كما بدأ في العام نفسه تشييد سكة حديد بطول 270 ميلاً لربط ديترويت بشيكاغو. وكان لخط القطار الذي أُنجز عام 1851 تأثيراً كبيراً على نمو ديربورنفيل التي توسعت وتغير اسمها إلى «ديربورن تاون» عام 1893 قبل أن يتم إعلانها مدينةً (سيتي) عام 1927 وكان عدد سكانها لا يتجاوز عشرة آلاف نسمة.
غير أن ديربورن لم تأخذ شكلها الحالي إلا بعد استفتاء انتخابي أُجري عام 1928 وانتهى بضم مدينة «سبرينغولز» المجاورة إليها بعد عام واحد من تغيير اسمها إلى «فوردسون».
ما هي قصة سبرينغولز؟
مدينة سبرينغولز كانت آخر ما تبقى من بلدة سبرينغوَلز التي تأسست عام 1827، وكانت تمتد من شارع غرينفيلد غرباً إلى نهر ديترويت شرقاً.
وقد سُمّيت المنطقة بهذا الاسم لكثرة الينابيع المائية الموجودة فيها، ما جعلها مقصداً للمزارعين الفرنسيين في القرن الثامن عشر.
ومع نمو مدينة ديترويت أخذت حدودها بالتوسع على حساب البلدات المجاورة بقضم مناطق واسعة من بلدة سبرينغويلز وبلدات أخرى مثل ردفورد وهامترامك وديربورن (وورنديل).
وكانت فوردسون أسرع نمواً من ديربورن بسبب قربها من ديترويت فتحولت إلى مركز صناعي جاذب للمهاجرين وعقدة مواصلات مركزية في ميشيغن، بعد إنشاء سكة الحديد بين ديترويت وشيكاغو والتي كانت سبرينغوَلز أولى محطاتها، تليها محطة ديربورنفيل.
وفي العام 1925 وافق سكان سبرينغولز على تغيير اسمها إلى فوردسون تكريماً لعطاءات نجل هنري فورد –أدسيل فورد– الذي ساهم في تحسين جودة الإسكان والتعليم والخدمات البلدية، إضافة إلى توفير فرص العمل لسكان المدينة الذين كان عددهم يفوق 30 ألف نسمة ومعظمهم من عمال المصانع والمهاجرين الجدد الذين انتقلوا للعيش بقرب مصانع فورد.