سامي كليب
يمكن أن نؤرخ أن 30 كانون الثاني 2015، هو نقطة تحول جديدة في خطاب حزب الله. ما قاله الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله أمس أمام صورة شهداء القنيطرة، وتحت شعار «على طريق القدس»، يعني ببساطة توحيد الجبهة من الجولان الى الجنوب اللبناني، ففلسطين. يعني كذلك التأسيس لاستراتيجية جديدة تنسف كل حدود الجغرافيا السابقة.
منذ أمس، انتهت رسمياً الاستراتيجية السابقة التي كانت تقضي بحصر القتال مع إسرائيل ضمن الحدود اللبنانية. هذا تطور نوعي في الخطاب والتخطيط، لعله تطور متفلّت من كل الضوابط السابقة.
ولكي نفهم أكثر ما هو المقصود، فلنلاحظ الآتي:
شعار «على طريق القدس» المتعمد قرب صور الشهداء، أمس، يعني ببساطة أن حزب الله يضع استشهاد مقاتليه وكذلك الجنرال الإيراني في سياق الصراع الأشمل مع إسرائيل. ومن لم ينتبه لذلك، فإن السيد نصر الله لم يبخل بالعبارات التي أشارت الى فلسطين ونضال أهلها وجور إسرائيل عليها.
قول نصر الله: «نحن لا نعترف بقواعد اشتباك» وإن الحزب «مستعد للذهاب الى أبعد مما يتصوره أحد في هذا العالم» يُلغي عملياً الضوابط غير المعلنة التي كانت تقتضي بأن الحزب يكتفي بردود مناسبة ومتوازنة مع الاعتداءات الإسرائيلية وفي جغرافيا محدودة.
تأكيده على أن «مواجهة العدو ستكون في أي مكان وزمان وكيفما كان»، لا يلغي فقط حدود سايكس بيكو بين سوريا ولبنان وفلسطين، وإنما يتعدى ذلك الى احتمال الرد على إسرائيل في أي مكان في العالم، أي أن المصالح الإسرائيلية باتت ابتداءً من أمس هدفاً مشروعاً لمقاتلي الحزب في أي جغرافيا.
تحذيره من أن الرد على اغتيال أي كادر من حزب الله، سيُردّ عليه في أي مكان وزمان وأن اسرائيل ستتحمل مسؤوليته، يمهد الطريق لتوسيع قواعد الاشتباك، وإيجاد مبررات دائمة للرد على إسرائيل في المكان والزمان اللذين تختارهما المقاومة، لكن الواضح أن المقصود هو ردع إسرائيل عن الاغتيال في هذه المرحلة الحساسة والدقيقة.
كل ما تقدم يعني بوضوح أن حزب الله انتقل منذ أمس الى مرحلة جديدة من الصراع مع إسرائيل، وأن سوريا وفلسطين صارتا ضمن جغرافيته القتالية الجديدة، ما يعني عملياً توحيد هذه الجبهة. ولعل وجود رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الإسلامي علاء الدين بروجردي في الاحتفال بتأبين الشهداء، يعطي كلام نصر الله بعداً أبعد من فلسطين وسوريا ليصل الى توحيد الجبهة أيضاً ورسمياً مع إيران.
مع ذلك، فإن الاكتفاء بهذه العبارات يشبه الاكتفاء بـ»لا إله». فالسيد نصر الله كان واضحاً في التركيز على أن الحزب لا يريد الحرب، لكنه لا يخشاها. أي أنه سيرد على إسرائيل إن اعتدت ولن يبادر هو الى فتح الجبهة أو الجبهات…
لا شك أن الحزب المتحالف بالدم حالياً مع الجيش السوري على أرض سوريا والمدعوم بالمال والسلاح والموقف من إيران، كان أصلاً يمارس على الأرض مفهوم توحيد الجبهة، لكن هذه المرة صار الكلام رسمياً، وصار بالتالي بمثابة الالتزام من السيد نصر الله في القتال حتى داخل فلسطين أو في جبهة الجولان لو تطلب الأمر ذلك.
هذا تطور مهم، ومن المؤكد أنه سيضع إسرائيل وحلفاءها أمام واقع جديد. وينبغي التذكير هنا بأن حزب الله انتقم سريعاً لشهداء القنيطرة، لكنه لا يزال يحتفظ بمكان وزمان وكيفية الانتقام لاغتيال قائده العسكري الأبرز الحاج عماد مغنية…
حين قال نصر الله أمس إن عملية الثأر لشهداء القنيطرة تمت في التوقيت والشكل نفسه الذي استخدمته إسرائيل، فلعله في قرارة نفسه كان يشير الى أن الرد على اغتيال عماد مغنية لن يكون بأقل من اغتيال قائد إسرائيلي بمستواه…
منذ أمس، صارت المنطقة أمام شكل جديد من الصراع. هذا هو بالضبط توازن الرعب. وبقدر ما قد يثير القلق عند إسرائيل وأطراف لبنانية تريد تجريد حزب الله من سلاحه وترفض تخطيه الحدود، بقدر ما قد يُشكل عامل استقرار، لأن إسرائيل تعرف أن نصر الله لا يمزح… فهل تتحداه؟
المصدر: الأخبار