الدستور – بيروت – سيمون نصار
في كتابه الذي صدر مؤخراً عقب انتهاء حرب تموز العام الفائت بعنوان ( الحرب من أجل بنت جبيل ). لا يكتفي بلال شرارة ، بسرد ، يوميات الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان. بل يمهد له بكتابة تاريخ بلدة بنت جبيل البطولي في الدفاع عن القضايا العربية. خاصة ، القضية الفلسطينية ، التي تعتبر بنت جبيل أقرب مدينة لبنانية إليها ، إضافة الى التاريخ المشترك بين أهالي البلدة والمدن والقرى الفلسطينية الأساسية التي كانت تنشط بالتجارة قبل العام 1948 .
فالكتاب يوثق بالتواريخ والأسماء ، كافة المعارك التي دارت في البلدة وكذلك أسماء من شاركوا فيها ، وهو عبارة عن تحية الى بنت جبيل: البلدة والشعب. ليست بنت جبيل بالنسبة الى بلال شرارة بلدة فقط. ، بل إنها تملك معنى رمزياً مكرسا منذ زمن ، لذلك فإن الحرب الأخيرة التي كانت ضد لبنان بالكامل ، لم تعبر على بنت جبيل مرور الكرام بل ( كان لبنت جبيل خصوصية استراتيجية ) ، خاصة ( وأن السيدة رايس كانت تريد الذهاب الى مؤتمر روما وهي تحمل في يدها ورقة سقوط بنت جبيل.. لكن السحر انقلب على الساحر ولم تحمل في يدها شيئا من هذا ، بل حملت خسائر اسرائيل في البلدة ، حيث أن ثمة أخباراً فرنسية تقول بأنه ، في شرق وغرب بنت جبيل ، سقط مئات القتلى الإسرائيليين مضافاً إليهم الخسائر على مستوى الدبابات والآليات).
عاصمة التحرير
لكن لبنت جبيل معنى رمزيا آخر ، إذ هي ( المدينة التي كان لها علاقة بحيفا وحوران في السابق ، أي بما يسمى برّ الشام ) (وهذه التسمية جغرافية وليس إدارية حتى لا يفهم التوصيف بشكل خاطيء من قبل البعض ) على ما يؤكده بلال شرارة..
فالبلدة بحسب الكاتب ( لها تاريخ مجيد) إذ (كانت تموّن الثوار الفلسطينيين في العام 1936 بالسلاح) وقد كانت المدينة الأولى في لبنان التي استقبلت ( أول أمين لجامعة الدول العربية عزام باشا ، كما أديرت منها غرفة عمليات حرب الإنقاذ) لذلك (هي مدينة لها شهرة خاصة ومميزة) كما أنها (استهدفت بالقصف في العام 1970 حين جاء إليها المقاتلون الفلسطينيون واتخذوا من جنوب لبنان مقراً لعملياتهم ضد اسرائيل) ، إضافة الى أنها (احتلت لمدة إثنين وعشرين عاماً متواصلة) وقد أطلق عليها السيد حسن نصر الله لقب(عاصمة التحرير) بعد الإنسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان مباشرة في العام 2000
بجانب افعى اسمها: اسرائيل
ويقول شرارة بأن البلدة استقبلت الفلسطينيين مرتين (مرة حين جاؤوا الى لبنان كلاجئين مقهورين خسروا بلادهم ، ومرة ثانية حين جاءت الثورة الفلسطينية وقد انخرطنا فيها وقاتلنا من أجل فلسطين) ويعلل ذلك بالقول أن ( سكان بنت جبيل انخرطوا في المشروع الوطني لأنهم أكثر من يعرف ماذا خسر الفلسطينيون..) ويضيف بأن بنت جبيل ( ما زالت لغاية الآن ، إذا كان هناك مشروع لتحرير فلسطين ، مستعدة لتقديم أي شيء في سبيل ذلك) ذلك أننا لا نقبل (بأن نستسلم لأفعى تنام بقربنا هي اسرائيل.. ولا نزال لغاية اليوم لا ننام جيدا في الليل).
لم يتحدث شرارة في كتابه التوثيقي كثيراً عن الجانب الثقافي في بنت جبيل ، إلا فيما يتعلق بالمقاومة ، لكنه يقول بأنها (لا تمثل فقط البعد التجاري أو الإستراتيجي ، بل هي حاضرة ثقافية منذ زمن بعيد حيث كان فيها علماء دين بارزون مثل الشيخ تحسين شرارة والشيخ عبد الكريم شرارة وصولا الى السيد عبد الكريم فضل الله والد السيد محمد حسين فضل الله ، وهؤلاء كانوا يفتون في الدين والدنيا إضافة الى مجالسهم الثقافية) مع ذلك يقول (لغاية اليوم لا توجد سينما في بنت جبيل ، بل إن ثقافة المدينة مبنية على المجالس التي تعقد في البيوت وهي ثقافة محلية بالكامل وبنكهة محلية بالكامل أيضاً). لكن العمل الثقافي لم يتوقف في البلدة ، خاصة بعد (التحرير حيث بدأنا بإعطاء زخم ثقافي من خلال الرابطة الثقافية التي افتحت مركزها بالبلدة).