واقعنا.. واقع الأشخاص لا واقع المؤسَّسات!
#مقال #بينات #العلامة_المرجع #السيد_محمد_حسين_فضل_الله (رض)
إنَّ هناك نوعاً من التخلّف في الواقع العربي والإسلامي، ولعلَّ ذلك يتمثَّل في الأميّة في القراءة والكتابة، والأميّة في السياسة، والأميّة في معرفة الواقع؛ هذه الأميّة المتحرّكة في أكثر من موقع، هي المسؤولة عن اهتمامات العرب والمسلمين بالقضايا الهامشيّة.
فنحن نلاحظ أنّ الاختصاصات الأدبيّة هي الغالبة على الكثير من المواقع الجامعيّة، ما يؤدي إلى الابتعاد عن الأخذ بالثقافة العلمية والتكنولوجية وما إلى ذلك، إضافةً إلى أنّ الأنظمة لا تبدي الكثير من الاهتمامات في الأخذ بأسباب التقدّم في المسائل العلميّة والتكنولوجية، كما أنّ تدخّل بعض الخطوط السياسية الدولية بطريقة وبأخرى، يؤدِّي إلى انحسار هذه الاهتمامات، مع أنّنا نتصوّر أنّ هناك انفتاحاً على المسائل العلميّة من خلال العديد من شبابنا الذين يسافرون إلى الغرب ويتخصّصون في هذه المجالات.
ولكنّ المشكلة، أنّ الشباب حين يتخصّصون ويصلون إلى درجة عالية، فإنّ الغرب يستوعبهم، لأنّ اهتمامات الأنظمة في العالم الإسلامي لا تنفتح على مثل هذه المستويات. وهذا النّوع من التخلّف يؤثّر سلباً في تموضع الحضارة الإسلامية على الخريطة العالمية.
من الطبيعي جداً، أن الإسلام استطاع أن يصنع الحضارة عندما أخذ بأسباب العلم، وعندما انطلقت القيادات الإسلامية نحو الترجمات والاستفادة من علوم الشعوب الأخرى. كما أننا نلاحظ أن المسلمين عندما ذهبوا إلى الأندلس، استطاعوا الوصول إلى مستويات عالية من خلال علمائهم، وأعطوا أوروبا في ذلك الوقت الكثير من التجارب العلمية، حتى قال أحدهم، وهو جواهر لال نهرو، عن الحضارة الإسلامية، إنها أمّ الحضارات الحديثة في العالم، باعتبار أن المسلمين في الأندلس هم الذين أكّدوا ضرورة التجربة كمصدر للمعرفة بموازاة التأمل، وهذا ما جعل أوروبا تتقدم وتأخذ بأسباب التقدم العلمي.
أعتقد أننا بحاجة إلى إيجاد أنظمة للواقع الإسلامي، يتجاوز القائمون عليها ذواتهم، لتأخذ الشعوب بعملية قيادة مصيرها بأنفسها، بحيث تتحرك الطاقات العلمية في هذه الدول من أجل أن تمسك زمام أمورها لتخطط من أجل التقدم، كما حال أوروبا التي عاشت حروباً ومنازعات مذهبية وغير مذهبية، لكنها عندما اكتشفت أنّ النهوض المستقبلي للدولة لا ينجح إلا على أساس أن تتحوّل إلى دولة مؤسسات، استطاعت أن تضع أقدامها على طريق التقدم.
لذلك، نحن عندما نعيش الواقع السياسي في الإسلام، نجد أنه واقع الأشخاص وليس واقع المؤسّسات، ولذلك لم تنجح المؤسّسات التي فرض الأشخاص أنفسهم عليها.
فإذا لم تتحوَّل الدول إلى مؤسّسات لا قيمة فيها للشّخص إلا من خلال ما يقدّمه من كفاءات، فسوف تبقى في تخلّف يتحرّك وراء تخلف آخر.
*من حوارات فكرية، العام 2006.