ينتظر الوزير السّابق سليمان فرنجية في منزله في زغرتا تنصيبه رئيسًا، يكاد الرّجل أن يصدّق أن انتخابه قدّ تمّ، وأن التّسوية مرّت. يستعدّ لاستقبال مهنّئيه. بيك زغرتا لبس عباءة جدّه، جهّز مناصروه رصاص الابتهاج، زمن الأمجاد سيعود، أو بالنّسبة لمن سلّم بأن فرنجية هو رجل الكرسي القادم، زمن الأمجاد قد عاد. فلنوزع الكبّة. تتردد في الأوساط السّياسية اللبنانية بوادر تسوية تلوح في الأفق. يمكننا القول، إنها المرّة الأولى التي يتوافق فيها اللبنانيون من دون تدخلٍ أجنبي لأيٍ من الدّول، فمنذ استقلال لبنان إلى اليوم، لم يتفق اللبنانيون إلّا على الاختلاف، حتى تتدخل الدّول الإقليمية. سوريا والسّعودية في التّسعينيات وصولًا للعام 2005. وقطر بموافقة سورية في 2008، لتستلم الملف اللبناني بعدها السّعودية وإيران بشكلٍ مباشر، مطلقين لعبة شدّ الحبال بين الأطراف التّابعة، أو الحليفة لهم. الحديث اليوم عن تسوية، إن لم يكن مستندًا إلى رضا إيراني – سعودي لا يعدو كونه مناورة لا أكثر، أو جسّ نبض من قبل الجهات الإقليمية، لرسم معالم تسويةٍ تضمن التّوازن الوجودي بين الثامن والرابع عشر من آذار، في الثامن من آذار تمسك برئاسة الجمهورية، بينما تستحوذ في الرابع عشر من آذار على رئاسة الحكومة والأكثرية الوزارية. بذلك تضمن الدّول المسيطرة على الطّرفين سيطرتها، بحيث لا يستطيع أي طرفٍ تغييب الآخر، وإعادة تجربة 2010، يوم عُزل الحريري من منصبه كرئيسٍ للحكومة إبّان زيارته للبيت الأبيض، فدخله رئيسًا للحكومة وخرج منه رئيسًا سابقًا. بعد تلك الحادثة أخذ الحريري على خاطره وقرّر بعدها مغادرة لبنان، في وقتٍ ظنّ خصومه أنهم قدّ نجحوا في إبعاده وإبعاد من يمثّل من الدّول، أي السّعودية، لكن التّسويات المتلاحقة، أو المرحلية السّابقة، الرّاهنة والمستقبلية، أثبتت وتثبت دور الحريري، فالرّئيس المنفي، يحوّل منازله في باريس والرّياض محجًّا للأطراف كافةً عند كل مفترقٍ لبناني سياسي مصيري. يختلف معظم اللبنانيين اليوم حول انتخاب فرنجية، فالرّجل معروف المواقف والقناعات، جمهور الرابع عشر من آذار يفضّل مرشّحه، أي السّيد سمير جعجع، في حين يعيش جمهور الثامن من آذار حالة من الضّياع، بين مرشحين هما الوزير السّابق سليمان فرنجية، والعماد ميشال عون، مما يعكس نجاحًا نوعًا ما لتيار المستقبل، الذّي حقّق خرقًا ولو لم يطفُ بعد إلى السّطح، في صف الثامن من آذار. تيار المستقبل، من خلال مناوراته المتكرّرة، بالسّابق مع ميشال عون، حيث أوهم التّيار عون أنّه سيصبح رئيسًا، سحب عون كتاب “الإبراء المستحيل”، الذي يكشف جوانب كثيرةٍ من فساد وزراء ونواب المستقبل، أوقف حملاته على الحريري وتيّاره، لا بل وانطلق يقدّم خدماتٍ مجّانية للأخير. طمأن الحريري عون، لينقلب عليه لاحقًا بشكلٍ ناعم. اليوم، نحن أمام السّيناريو ذاته، لكن فرنجية يبدو أكثر حذرًا، وحلفاءه أيضًا، على الحريري أن يثبت جدّيته، أو أن المناورة لن تنجح، صمت حزب الله وأمل، يترجم على أرض الواقع الممانع، واقع الثامن من آذار، تنبّهًا وتفويتًا للفرصة على ضعضعة التّحالف المضعضع أصلًا، لكن في الوقت ذاته، يبدو التّحالف راضيًا عن مسار تعويم فرنجية، بعد الخلافات الأخيرة مع عون. هل سينتخب فرنجية رئيسًا أم لا؟ وحدها الدّول المسؤولة عن لبنان قادرة على الإجابة، مع أن تحركات الحريري توحي بقبولٍ سعودي بفرنجية. تعويم شخصية مسيحية قوية، يعني حرق أسهمها بطريقة غير مباشرة، وسحب ورقتها إفساحًا للمجال أمام مرشح توافقي، كقائد الجيش مثلًا. مع ذلك، يبقى الموعد، أي تاريخ بدء التّسوية وموقع لبنان فيها وضمن سلّة أولوياتها، ربما تنطلق من لبنان لتشمل سوريا، اليمن والعراق وغيرها، أو أن يبقى لبنان منتظرًا الانفراجات الإقليمية، علّ قصر بعبدا، يستقبل ساكنه الجديد. –
الوسوممباشر
شاهد أيضاً
في رثاء الحاج طلال شرارة (أبو علي)
قم أيها الحبيب! رد هذا التراب عن وجهك وحدثنا فنحن لم نودعك كما الزوجة والأبناء …