كشفت دراسة علمية حديثة بأن واحداً من بين ثلاثة من اللبنانيين مصاب بمرض “PTSD”، أي “اضطراب التوتر العصبي الشدة بعد الصدمة”. وشملت الدراسة التي وصفت نتائجها بـ “غير المتوقعة والصادمة” وأجرتها جمعية “الأمراض النفسية والعصبية” برئاسة الدكتور محمود كريدية، المتخصص في علم الأعصاب، 1200 لبناني و450 نازحاً سورياً و400 لاجئ فلسطيني.
وفي حديث خاص لـ”لبنان 24″ أوضحت معدة الدراسة الدكتورة لينا حداد كريدية، وهي استاذة في العلوم النفسية والسياسية في الجامعة الأميركية في بيروت، أن نتائج الدراسة قُسمت إلى جزئين “شديد ومعتدل”، بما يعني أن المصابين يعاني قسم منهم من PTSD بوتيرة عالية، وقسمٌ آخر يعاني من بعض عوارض المرض”، مبينةً النتائج كالتالي:
– 21% من اللبنانيين “شديد”، و12% “معتدل”،
– 61% من النازحين السوريين “شديد”، و9% “معتدل”،
– 32%من اللاجئين الفلسطينيين “شديد”، و12% منهم “معتدل”،
وعَزَت كريدية النسبة العالية بين اللبنانيين المصابين بهذا المرض إلى أن “الشعب اللبناني يعاني من ضيق على المستوى المعيشي والإقتصادي والسياسي ما يعرضه لمشاكل عديدة وتوتر دائم في حياته، كما أن أغلبهم عايش الحروب التي تعتبر نقطة هامة في ارتفاع نسبة الحالة لأن التأثير النفسي للحرب خطير على المدى البعيد”، مشيرةً إلى أنه “في المناطق حيث يعاني السكان من تعقيدات إجتماعية، حضارية وثقافية مثل التعصب ورفض الآخر والنزوح وفقدان الهوية الذاتية، عندئذ، يعاني المصاب بشدة أعلى والأمثلة كثيرة في لبنان والمنطقة مثل الشمال والبقاع.
بدوره، يوضح الدكتور محمود كريدية إلى أن “الإكتشاف الجديد لعلم النفس يعرف هذا المرض بـ”جرح دماغي عضوي ناتج عن الصدمة الشديدة” ويمكن استعمال تصوير الدماغ الطبي المتطور وتخطيط الدماغ المغناطيسي وبعض الفحوصات المخبرية للتأكد من هذا التشخيص، مشيراً إلى أن “الصدمة قد تكون تكون بسبب الإشتبكات العنيفة العسكرية أو التعرض لصدمات مدنية مثل الإغتصاب والخطف والتهديد، وحوادث مدنية أخرى.
عوارض ومؤشرات
وفي هذا الصدد، شددت كريدية على أن “هذا الإضطراب النفسي هو ليس مجرد توتر بسيط أو إكتئاب مؤقت، بل هو عبارة عن صدمة تصيب الدماغ بسبب حادث أو بفعل عنف تؤثر بشكل سلبي على حياة الشخص ومن الصعب علاجها بفترة زمنية قصيرة”، مشددة على أن “الهدف من الدراسة هو تقييم تصرفات الأشخاص اليومية وردات الأفعال والأسباب الكامنة وراءها وكيفية تعاطي المجتمع معها”، مشيرةً إلى “عدة عوارض للمرض منها: الغضب الشديد الخارج عن السيطرة والتوتر العالي والميل إلى الإنتقام وحدة الطبع ونبذ الآخر، مقسمة المصاب بـPTSD إلى قسمين “الأول يصبح أكثر إنطوائيةً وينعزل عن الآخرين والثاني يصبح أشد غضباً وعصبية”.
وعن تداعيات المرض وتأثيره على حياة الشخص ومستقبله، أشارت إلى أن “المصاب به، إذا لم يُعالج، يفقد تدريجياً الإحساس بالآخر (التخدير العاطفي) والقدرة على العطاء، وبنتيجته، ستنخفض إنتاجيته في مجال عمله بسبب خوفه الدائم وانعدام ثقته بنفسه، وسيبتعد تدريجياً عن محبيه وعائلته”، مفسرة أن “الحالة النفسية للمصاب ستتضاعف تأثيرها ويمكن أن تصل مثلاً إلى الإنضمام لمنظمات إرهابية، لأنه من السهل جداً استغلاله للإنجرار نحو أفعال إجرامية كالعنف والقتل.. أو الإنتحار، وبالتالي سترتفع سلسلة الإرهاب في العالم!”.
سياسيون مصابون!
ولفتت كريدية إلى أن ” هناك توقعات عالية بأن تكون نسبة السياسيين المصابين بالمرض كبيرة وذلك لأنهم، وبحسب طبيعة عملهم في الجو السياسي المشحون بالخطر والتشنج والتهديد اليومي بالإغتيالات والتفجيرات والإختطافات، فمن الطبيعي أنهم يتعرضوا لضغط دائم ومشاكل متراكمة وإنتكاسات شديدة يمكن أن تؤدي للإصابة بهذا الإضطراب الحاد، مشيرةً إلى ان “الجماعات الدينية أقل عرضة للإصابة به وذلك لأنهم منذ الولادة مجهزين نفسياً لخوض المعارك والحروب ولديهم إندفاع قوي نتيجة إيديولوجية فكرية تحاكي الغيب والماورائيات وفكرة الطهورية”.
ولفتت كريدية إلى أنه “لم تظهر أي علامات أو مؤشرات حول وجود علاقة تربط بين المستوى التعليمي للأشخاص أو الوظيفة أو الدخل الشهري بالمرض عند اللبنانيين والفلسطينيين”، مشيرةً إلى أن “نسبة المصابون بالـPTSD عند السوريين أعلى عند الموظفين”.
مراكز للعلاج
وأكدت كريدية أن أحد العوامل الهامة في مساعدة الناجين من الصدمة التي تعقب الحدث الصادم هو الدعم الذي يتلقاه من الاصدقاء والإحتضان العائلي، والإيمان الذي يؤدي دوراً فاعلاً في تجاوز الصدمة، والأهم انتشال المصاب بهذه الحالة من البيئة المتشنجة التي تسببت له بالإضطراب إلى مكان آخر أكثر راحة وهدوءاً واستقراراً وأماناً، مشيرةً إلى أن “أحد أسباب نجاح اللبناني خارج بلده يعود لهذا السبب”، مشددة على أهمية “إنشاء مراكز خاصة وبرامج توعية لمعالجة هذا النوع من الإضطرابات النفسية”.
وفي هذا الصدد، قال الدكتور محمود كريدية: “من الملفت أن في لبنان والمنطقة ليس هناك ولا حتى مركزاً واحداً يعمل على تشخيص وعلاج هذا الوباء”، مشيراً إلى أنه “يعمل على إنشاء هذا المركز في بيروت للبنان والمنطقة بهدف البحث العلمي في هذا المجال والبدء بالمعالج الطبية لجميع المصابين”.
(خاص “لبنان 24”)