باكراً وفي أواسط القرن العشرين تحولت أنظار المهاجرين اللبنانيين إلى أستراليا. قصدوها بالقوارب والطائرات وبطرق شرعية وغير شرعية. ارتفعت موجات الهجرة وانخفضت تماشياً مع أوضاع لبنان الأمنية والسياسية.
أما الثابت فهو أن أستراليا كانت دائماً وجهة للهجرة والإستيطان والإقامات الطويلة الأمد بعكس ما هو الحال بالنسبة للدول الأوروبية والعربية. ومما عزز هذا التوجه. طبيعة الدولة الأسترالية وغناها وحاجتها في فترة من الفترات إلى تعزيز أرضها بكثافة سكانية تساهم في بنائها وإعمارها.
تلازمت حاجة أستراليا للأعداد السكانية مع الحرب اللبنانية إبتدائاً من العام ١٩٧٥. في هذه الفترة فتحت الدولة القارة باب الهجرة للبنانيين والتي دخلوها بقدر يسير من الإجراءات كون الأعداد هي التي كانت تحكم معادلة قبول أو عدم قبول الهجرة. أن تكون لك عائلة من خمس أفراد كان يعطي المهاجر أولوية على من يتقدم بطلب فردي وبالنهاية كانت تقبل طلبات الجميع. تغيرت الظروف اليوم لأسباب عديدة لربما نعالجها في مناسبة لاحقة.
أما ألكم السكاني الذي جاء إلى أستراليا، فلقد تجمع في أماكن وأحياء وبنى المتاجر والمؤسسات في تكتلات كادت أن تشكل إكتفاءً ذاتيا. لدرجة أن هناك جزءاً من اللبنانيين ممن ليسوا بحاجة للتعاطي مع بشر من جنسيات أخرى أو تكلم لغة غير لغة الضيعة التي كانوا يتكلمونها قبل أن يغادروا لبنان. على سبيل المثال فإن هناك أحياء في ضواحي سيدني إذا دخلتها ظننت نفسك في مجسم مصغر لسوق بنت جبيل أو أحد شوارع بئر العبد أو المنية في طرابلس.
ولما كان لهذه الكتل البشرية أفراح وأتراح شأنها شأن باقي المجتمعات، كان لا بد لها من رجال دين تقوم على ‘نظم’ شؤونها الدينية. نقول كلمة ‘نظم’ بتدبر كون الموضوع بحاجة لتمحيص وإعادة نظر.
علماء سيدني هم بدورهم إمتداد للجماعات الدينية القائمة في لبنان. منهم من هو قائم بتكليف مباشر من الجهات اللبنانية. ومنهم من هو حر نفسه وموال لجهة من الجهات. ومنهم من كبرت على رأسه العمة فبات مرجع نفسه.
المعممون المرتبطون بجهات وقيادات لبنانية هم من ينصح بالتعامل معهم نظراً إلى وجود مرجعية هم مسؤولون أمامها. مهما تعقدت الأمور مع هؤلاء بالنهاية المرجعية تقرر وهم يسيرون كما هو الوضع في لبنان.
أما ما يشكل وضعاً حرجاً ومضراً بالجالية فهو وجود المنفلتين المتفلتين. والذين أنشأوا مؤسسات جلسوا على رأسها دون أن يكون لهم حسيب أو رقيب. فلا دار إفتاء أو مجلس ملي يتقيدون به ولا سلطة للدولة عليهم إذ طالما أن هناك أناس يرتادون مكاتبهم طواعية فإن الدولة تضع كل الموضوع ضمن إطار حرية المعتقد ولا تتدخل.
بين لا تسلط الدولة وغياب الهيئة الشرعية الناظمة وجهل وبساطة الناس وإستغلال هامة وهيبة الزي الديني ترتكب أفظع الأمور.
يحلل الحرام عن طريق إستصدار أحكام طلاق غير مكتملة الشروط وإعادة تزويج من لم تطلق شرعاً. إصدار أحكام زواج وطلاق ترفض من لبنان ولا تسجل في الدوائر الرسمية لعدم إستيفاء الشروط تخلق أوضاع صعبة ومعقدة.
غالباً ما يقوم هؤلاء بإصدار أحكام يقبضون عليها الأموال. ترفض وترد الأحكام في لبنان. فيصبح هناك إزدواجية في الوضع القائم. وإليكم هذا المثل الواقعي.
أراد أحدهم أن يطلق إبنته من زوجها ولكن الزوج رفض وظل متمسكاً بزوجته. عندها ذهب الوالد إلى أحدهم وسوية رتبوا كتابة ورقة أشهدوا عليها أناساً أقل ما يقال فيهم أنهم من غير العادلين. رفضت الدوائر في لبنان الورقة كونها غير مرفقة بوكالة الزوج وكونها صادرة عن جهة مشكوك بمصداقيتها. وهنا تعقدت الأمور بين ورقة طلاق ممهورة بخاتم منهتحل صفة رجل دين وقرار محكمة لا تعترف به. وضاعت القضية ولم يعد الحلال من الحرام بيناً.
نتوجه من خلال هذا الكلام إلى الجالية بالتحذير والتنبيه إلى عدم التعامل مع من لا مرجعية بينة لهم في لبنان كي لا يقعوا هم وعائلاتهم في المحظور!
والله من وراء القصد!