ما هذا السّرّ الّذي فيك ومن حولك؟
ولماذا كلّما طال الفراق، زاد الشّوق والحنين إلى منبرك وكلماتك؟
رحلت عنّا قبل ستّ سنوات، وتركت خلفك أجيالاً وأجيالاً، آمنت بمسيرة الوعي والفكر النيّر الذي لا يلفّه الجهل أو يضلّله التعصب الأعمى، تركتنا نصارع في هذه الحياة خوفاً على نهجك الذي خططته بإصرار وصلابة، سلكنا هذا الطّريق الحقّ، وقناعتنا أنّ من ينتهج فكرك لن يخيب.
أعزّائي القرّاء، ونحن نحيي الذّكرى السادسة لرحيل العلامة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله(رض)، لا بدّ من وقفة مع الناس الذين أحبّوا السيد نهجاً وفكراً وطريق خلاص، وكانت هذه الكلمات التي تلخّص تجارب حياة عاشها أفراد تحت منبر سماحته طوال سنوات وسنوات، وما هذه الآراء إلا عيّنة تعكس مدى حضور المرجع فضل الله في وجدان النّاس.
فكر السيّد يتدفّق في عروقي
تتحدّث حوراء قوصان عن المرجع فضل الله الّذي لم تره إلا مرات قليلة في حياتها، ولكنّها لا تعرف حقّاً ولا تدرك كيف ومتى بدأ يتدفّق حبه وفكره في عروقها، وتقول: “لا أعلم متى كانت نبضة الوعي الأولى في عقلي، ولكنني كبرت ووجدت نفسي مقلّدة لهذا الرمز والمرجع العظيم، وجدتُ نفسي باحثةً عن كل جديدٍ من أفكاره، ومدافعةً عنه بحبٍّ وشراسةٍ في آنٍ معاً، أسعى إلى نشر فكره من منطلق حرصي على أمّةٍ لطالما حرص على إحيائها، كان لي حلم اللقاء به وإجراء مقابلة خاصّة معه، ولم يسعفني الزمان، ولم يحرمني أيضاً، فقد قمت بإعداد وتصوير لقاء خاصّ معه بعد حرب تموز العام 2006 احتفظت به لنفسي”.
وتضيف: “حين رحل السيّد، كان الرّحيل قاسياً جدّاً علينا، شعرت ومازلت أشعر بأني فقدتُ ملاذاً وملجأً، في ليلة عروجه الأولى، لم أستطع مفارقة المسجد حتى الصباح، أنظر من الطابق العلوي إلى المسجد حيث الجسد المسجَّى يقضي ليلته في أحبّ البيوت إلى قلبه، “بيت الله”، وكانت هذه الليلة هي ليلة اللّقاء المادي الأخير، كانت اللّيلة الأجمل والأقسى، كانت الفترة الأطول التي أجالس فيها السيّد، أستعيد كلماته وحركاته وأفكاره ووصاياه تتردد في أذنيّ، وأعاهده على البقاء في خطّه، كانت ليلة اللّقاء المادي الأخير، لكنَّ لقاءاتنا في الحلم والفكر والخطّ والمسيرة لم ولن تكون لها خاتمة ما دام في العمر بقيّة”.
علّمنا السيّد فضل الله أن نحبّ الله سبحانه ونحبّ عياله ولو اختلفنا معهم
مستمرّون في حركة الوعي والتّجديد
يعتبر علي طفيلي، مسؤول نادي الأحبة في الجامعة اللبنانية الدولية، أنه من الظلم بمكان أن يتحدّث الإنسان عن المرجع فضل الله(قده) من جانب محدَّد، لأن سماحته شخصية عظيمة لا يمكن للكلمات أن تعبّر بحروفها ومعانيها عن مكانته الحقّة، كل جانب من حياة السيّد يحتاج ربما إلى مجلدات للوقوف عنده وشرح تفاصيله. وفي مناسبة ذكرى رحيل المرجع فضل الله، يقول علي هذه الكلمات:
” لعلّ كلّ من يعرف سماحة المرجع فضل الله، يعرف هذا القلب الّذي لم ينبض إلا حباً وعشقاً لله ولخلقه، السيّد علّمنا أن نحبّ الله سبحانه وتعالى ونحبّ عيال الله ولو اختلفنا معهم، السيد أفنى عمره في خدمة الإنسان والإسلام، على الرغم من تحامل الكثيرين عليه، كان مثالاً في الصبر والمحبّة والقوّة، أحب الناس جميعاً، وأغنى حياته وعياً ومحبّةً وفكراً وحركةً، لذلك كلّه وأكثر، عشقنا السيّد، ومستمرّون في حركة الوعي والتّجديد بإذن الله”.
زرع في قلبي حبّ الإسلام
من جهتها، تتحدّث منال ترمس عن المرجع فضل الله(رض) بهذه الكلمات الصادقة، وتقول:
“لم أنسَ سماحته ولا لحظة لأذكره من جديد، فأنا مدينهٌ لهذا الرّجل العظيم بعشقي للإسلام، الإسلام النقي البعيد كلّ البعد عن التشويه والخرافه، الإسلام الحضاري، الإسلام الواعي المنفتح على الجميع بعيداً من العصبيّة. أنا أشكر الله وأحمده لأني عشت في زمن السيّد؛ منذ طفولتي،لم أنس حين قابلته للمرّه الأولى، كنت حينها في كشافه المهدي، وقد قدّمنا له الورود وأنشدنا له نشيداً؛ قال لنا حينها: وجودكنّ بحدّ ذاته نشيد، كنت في عمر العاشرة”.
أنا مدينهٌ للسيّد بعشقي للإسلام الواعي المنفتح على الجميع بعيداً من العصبيّة
وتتابع: “في سنّ المراهقة، وعندما وضع السيّد رسالته؛ لم أتردّد وقتها لزيارته للاستفسار عن أي معلومه فقهيّة أو مناقشته بأيّ شيء، أذكر أنّني كنت أذهب أنا وصديقة لي لنسأله، كان يستقبلنا برحابه صدر، بابتسامه رائعه تخرق القلب.. لقد كان خطابه لنا وأسلوبه في إجابتنا، ينير عقلنا، ويزرع في قلوبنا حبّ الإسلام الصّحيح، كان يشرح لنا ويطلب منّا أن نفكّر في أيّ شيء قبل إصدار الحكم على أيّ شخص، لقد زرع في قلبي حبّ الإسلام؛ حبّ محمّد وآل بيته؛ حب النّاس جميعاً ولو اختلفنا معهم.. ولن أنسى وصيّته لنا، وصيّة الأب الحنون: “أنتنّ في عمر الورود، احذروا من خطط الشّباب وانتبهوا إلى أنفسكنّ”.
وتختم قائلة: “كيف أنساه، وكلّ انفتاحي على الله والنّاس يعود إليه؛ هو المرجع، هو المعلم، هو الأب، وباختصار، هو الحبيب، باقٍ في القلب والوجدان سيّدي يا فضل الله”.
السيّد أرشدنا إلى سبيل النجاة
وهذه الكلمات للمحامي حسن بزّي عن علاقته بالمرجع فضل الله(رض):
“أنا من أسرة يسارية كانت تعاني منطق التّكفير والتنجيس، وحده السيّد قال إنّ الإنسان طاهر، وإنّ اليسار وجهة نظر سياسية وليس دينيّة، وبالتالي، قال لليسار أنتم أهلنا وأخوتنا… هنا كانت الانطلاقة، وبدأت مسيرة التعرّف إلى فكره اللا محدود. باختصار، السيّد فضل الله لا يموت، فهو ليس مجرّد جسد، هو فكر ونهج تخطّى آفاق الزمن، ليحطّ في رحاب الوعي والعقل والمحبّة.. هذا الرّجل الذي أنار دروبنا من عتم التخلف في مجتمعنا بكلّ حكمة وعلم وجرأة، وقارع أساطير الرجعية والانتهازيّين جميعاً، لم يخشَ في الله لومة لائم، هو الحكيم والودود، هو الأستاذ والأب، هو أمل الفقراء والمساكين والأيتام …. السيد فضل الله محرك السكون وشاغل العقول، مبكي الجفون والعيون، لا يبغضه إلا كلّ حاقد جهول…. السيّد أنقذنا وأرشدنا إلى سبيل النجاة: الحوار مع الآخر واحترام الإنسان”.
السيّد دعانا لاستخدام عقولنا
تتحدّث مريانا نشار في ذكرى رحيل المرجع فضل الله بكثيرٍ من الحسرة والحرقة، فهو الذي أيقظ بكلماته الواعية فكرها من سباته، وبدأت بعدها رحلة التفكر والتدبر، فالوصية الأساس للسيّد كانت وماتزال استخدام العقل الّذي ينقلنا من خلاله إلى فضاءات الوعي والتفكّر.
وتضيف: “كان الأثر الأوّل أني عرفت معنى الإنسانيّة، دون الحاجة إلى الانضمام إلى ما يسمّى حقوق الإنسان.. علّمني احترام الآخر، بغضّ النظر عن دينه أو عرقه أو لونه، على قاعدة تعريف الآخر بما أعتقد (إماميّتي، شيعيتي)، علّمني أنّه لا فرق بين أعجمي وعربي إلا بالتّقوى، وأّن أصل الدّين واحد والرّبّ واحد”.
وتتابع: “من هو السيّد؟!! هو رسالة المؤاخاة الإنسانيّة التي بدأ بتجسيدها السيّد موسى الصّدر، هو ثورة السيّد الخميني رافضاً الظلم وناصراً المستضعف، هو فكر شريعتي في الدّعوة إلى أنسنة الإنسان، هو قناعة غاندي الرّافض للظّلم والجور… سيّدي، نفتقدك في كلّ تفاصيل حياتنا؛ في الفقه، في الإرشاد، في رصّ الصفوف، في درء الفتن، وما أكثرها بعد رحيلك! أنا إحدى المحظوظات الّتي هنئت بالعيش في زمنٍ كنت أنت السيّد والموجّه والمربي والفقيه، وكان لي شرف أن أكون من مقلّديك”.
جعلني أعيش الإسلام الحقيقيّ
وعلى الرّغم من أنّ الأخت عدلة ياسين ليست من المذهب الجعفري، إلا أنها كحال الكثيرين ممن عرفوا السيّد، فأحبّوه وعشقوا كلماته النيّرة والفوّاحة بعطرها الوحدويّ الجامع. تقول: “المرجع فضل الله جعلني أعشق اﻹسلام من نافذة روحانيّة فتحت على مصراعيها، عبر مواءمته بين العلم والعقل والدّين، وارتقائه بالمخلوق البشريّ إلى أسمى الدرجات، من خلال انفتاحه على العالم أجمع، والدّيانات والثقافات المختلفة، ليثبت أنّ اﻹسلام الحقّ يذوب في اﻵخر اﻹنسانيّ، عبر وعيه لتقبّل اﻵخر ونبذ التعصّب”.
وتضيف: “قرّبنا السيّد من الله أوّﻻً، ومن الناس ثانياً، وبرز كشعاع أمل يضيء سماءنا انفتاحاً فكريّاً ودينيّاً، فكان السيّد فضل الله هو اختصار لكلّ هذه الرؤى، ما جعلني من الهائمين في بحر فكره، أتردّد دائماً لحضور محاضراته، ﻷنهل من النبع الّذي ﻻ ينضب، ومن النّور الذي أنار دربي، وأخذ بيدي ﻷعيش الفكر اﻹسلاميّ المتحضّر والحقيقيّ”.
وفي الختام أعزائي القرّاء، هذه الكلمات الّتي تطايرت من أفواه محبي المرجع فضل الله(قده) في ذكرى رحيله، ما هي إلا باقات حبّ وامتنان لمن كان له فضل التّغيير في حياتنا وواقعنا ومستقبلنا. فهنيئاً لمن عاش في عصر السيّد محمد حسين فضل الله، وهنيئاً لمن يكمل مسيرة الوعي والتجدّد.
المصدر: بينات