لولا حفل إحياء الذكرى الثانية لإغتيال اللواء وسام الحسن وما تخلله من خطاب عالي اللهجة لوزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق أطل فيه على المشهد الأمني المتردي، موجهاً أكثر من رسالة وإتهام مبطن، كانت عطلة نهاية الأسبوع مرت من دون أي حدث سياسي يخرق حال المراوحة والترنح التي تسود المشهد السياسي في البلاد، فيما شكل التشييع الوطني والشعبي للجندي الشاب جمال هاشم رداً على عمليات الاستهداف المبرمج للجيش ومحاولات تفجير الشمال على خلفيات فتنة مذهبية.
فمنطقة عكار التي فجعت باستشهاد الجندي هاشم ابن القبيات اول من امس في مكمن مسلح ثم أفاقت امس على كارثة سيول اغرقت معظم مناطقها ومنطقة الضنية بأضرار كبيرة قد حولت مأتم الجندي الشهيد الى رد اكتسب دلالات معبرة في مواجهة الموجات الاجرامية التي تستهدف الجيش من جهة ومحاولة اثارة فتنة طائفية ومذهبية في عكار والشمال من جهة اخرى . هذا الرد برز في الاستقبالات والمحطات الحاشدة التي أقيمت لجثمان الجندي الشهيد هاشم في قرى سنية وعلوية ومسيحية بدت بمثابة رد جامع على القتلة . وقد انزل النعش خصوصا في خمس قرى منها ثلاث قرى سنية هي الكويخات والدوسة والبيرة وفي قرية علوية هي الريحانية وفي قرية مسيحية هي التلال قبل وصوله الى مسقطه بلدة القبيات . وحرصت فعاليات المنطقة واتحادات بلدياتها على إضفاء هذا الطابع الوطني الشامل على المأتم تأكيدا للرد على محاولات اثارة الفتنة وتشديدا على احتضان الجيش .
لكن هذه الصورة الجامعة ولكن الحزينة يخشى من احتمال تكرارها في ظل استمرار المخاوف من مخطط إستهداف الجيش المستمر فصولا والمترافق مع مناخ سياسي غير مساعد لإحتواء الوضع ومواجهته مع ترنح الخطة الأمنية وتعرضها لأكثر من إنتكاسة بفعل الخلافات السياسية التي تحاصرها، وهو الأمر الذي اخرجه وزير الداخلية الى العلن في كلمته في الذكرى الثانية لإستشهاد اللواء وسام الحسن.
فقد أطلق المشنوق سلسلة مواقف مدوية مع كشفه ” أننا بتنا على قاب قوسين او أدنى من إكتشاف حقيقة الجريمة وهذا سيعلن في الوقت المناسب”، في إشارة واضحة حول التوصل الى الاثبات بالصورة ويبقى الصوت كما قال مخاطباً رئيس فرع المعلومات عماد عثمان .
وإذ رفض المشنوق ” تحويلنا الى صحوات لبنانية على غرار الصحوات العراقية متخصصين في فرض الأمن على قسم من اللبنانيين فيما القسم الآخر ينعم بالحصانة الحزبية” في إشارة مبطنة الى حزب الله الذي شن عليه هجوماً سائلا إياه” ماذا لو وضع الحزب إمكاناته بتصرف الدولة بدل التفرد بالقرار ، فهل كان وضعنا أفضل أو أسوأ؟” لافتا الى ان تعثر الخطة الامنية يعود لأسباب سياسية وليس لنقص في الامكانات”، مضيفاً ” ان هناك فريقاً من اللبنانيين يعتقد ان قدراته أكبر من لبنان لكنه لن يستطيع ان ينكر ان الكلفة يتحملها كل اللبنانيين لأن قدرته اصغر من المنطقة”.
ولم يوفر هجوم المشنوق احد الأجهزة الأمنية التي وصف رئيسها بأنه “يفتقد الى الصفاء” في مقاربته الأمنية.
وقد بدا ان كلام المشنوق والاتهامات التي ساقها الى حزب الله تؤشر الى مرحلة جديدة من التعاطي بين تيار ” المستقبل” والحزب، خصوصا وان المشنوق كان تميز بوجوده على رأس وزارة الداخلية بالتواصل والتنسيق الأمني مع الحزب.
ولم تستبعد مصادر سياسية ان يرتب هذا الكلام معادلة جديدة ستحكم الملفات السياسية والأمنية التي يعي تيار ” المستقبل” مسؤولية الحزب في زجه في مواقف لوضعه في مواجهة مع الجيش او عبر التسويق لتحول الطائفة السنية الى بيئة حاضنة للإرهاب، ما استدعى مواقف صارمة للرئيس سعد الحريري أطلقها من روما بعد لقائه البطريرك الماروني مار بشارة الراعي.
وهذا يعني في رأي المصادر ان البلاد ستكون مقبلة على مرحلة من التصعيد السياسي وربما الأمني أيضاً خصوصا في ضوء إعلان المشنوق عن عزمه على الاعلان عن قتلة الحسن.
وكان الحريري سبق الكلام بموقف أشار فيه الى “ان ساعة الحساب آتية مهما طال الزمن”.
وليس بعيداً من هذا المناخ القاتم، ما نقله زوار رئيس الحكومة تمام سلام عنه الذي يشعر بأن البلاد تعيش في دوامة لا أحد يدري متى تتوقف وإلى أين يمكن أن تأخذها. وإذ ينقل الزوار عن سلام قوله ان الوضع في لبنان لا يحسد عليه، يلفتون الى ان غالبية الملفات ” مكربجة” ومعطلة.
وعلى رغم الجهود المبذولة من أجل معالجة ملف العسكريين المختطفين لدى تنظيمي ” داعش” و” جبهة النصرة”، فإن أي معطيات لم تتبلور بعد بحسب هؤلاء الزوار الذين طرحوا علامات إستفهام وتشكيك في الوساطتين القطرية والتركية اللتين تتحركان تارة ثم تتعثران طوراً.
وكان لافتاً ان تعثر ملف إطلاق العسكريين ترافق مع إستهداف مبرمج للجيش بالتزامن مع إستهداف المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبرهيم الذي يتولى جانباً أساسياً من المفاوضات.
النهار