مع الولادة الرسمية للوائح المتنافسة في دائرة بعلبك – الهرمل، وارتسام خط «الاستواء السياسي» بين الحلفاء والخصوم، يكون قد اكتمل الصفيح الساخن الذي ستدور فوقه معركة انتخابية حامية، بدأت مؤشراتها تلوح مبكراً في القرى والبلدات تحت وطأة الاتهامات والإشاعات المتداولة.
ربّما لا مبالغة في القول إنّ معركة بعلبك – الهرمل ستكون في كفّة وبقية الانتخابات في كفّة أخرى، على وقع الاصطفاف السياسي الحاد بين لائحتين تحديداً: «الأمل والوفاء» التي تضمّ حزب الله وحركة «أمل» وشخصيات حليفة، و»الكرامة والإنماء» المرتكزة على تيار «المستقبل» و»القوّات اللبنانية» إلى جانب شخصيات شيعية معارضة للحزب والحركة.
ومِن الواضح أنّ معراب و»بيت الوسط» سيَسعيان بكلّ ما أوتيا من قوّة لتسجيل هدفٍ خارج أرضهما في مرمى «حزب الله»، في اعتبار أنّ دائرة بعلبك – الهرمل تشكّل مركز ثقلٍ استراتيجي للحزب الذي يتمثّل في اللائحة بخمسة مرشّحين شيعة من أصل ستّة، وهذا ما يفسّر تركيزَ خصومه المحلّيين والإقليميين على محاولة إحراجه في عقر داره البقاعي عبر بذلِ أقصى الجهد لاقتناص مقعدٍ شيعي إذا أمكن، وإلّا فمقعد مسيحي أو سنّي في الحد الأدنى.
ويفترض تحالف «المستقبل»- «القوات» أنّ الفوز بمقعد شيعي في البقاع الشمالي، وتحديداً من خلال إقصاء اللواء جميل السيّد، سيمثّل انتصاراً ثلاثيَّ الأبعاد على كلّ من الحزب والنظام السوري وتاريخ السيّد الذي يريد هذا الثنائي تصفية حسابات قديمة معه، تتّصل بدوره خلال حقبة الوجود السوري في لبنان، علماً أنّ هناك من يعتقد أنّ نجاح السيّد في اكتساب الحصانة النيابية، إذا ربح، سيَمنحه القدرةَ على فتحِ ملفّات حسّاسة، كان قد تجنّبَ الخوضَ فيها سابقاً، لافتقاره إلى الحصانة التي تحميه من تداعياتها.
ويُركّز الحزب من جهته على منعِ اختراق مقاعد مرشّحيه الشيعة، لمعرفته بأنّها تنطوي على رمزية سياسية كبرى في مواجهة خصومه المحليين والخارجيين، من دون أن يعني ذلك أنّه سيتساهل في حماية مقاعد حلفائه على اللائحة، إنّما مع الأخذِ في الحسبان في الوقت نفسه أنّ القانون الانتخابي الجديد قد يسمح للفريق الآخر بانتزاع مقعد سنّي أو مسيحي، تماماً كما يمنح الحزبَ وحلفاءَه فرصةً لكسبِ مقاعد إضافية في مناطق كانت مغلقة عليهم، بموجب القانون الأكثري السابق.
وما يضاعف حرارة المنافسة الانتخابية في البقاع الشمالي أنّها تتمّ في منطقة محاذية للعمق السوري، وتأتي بعد وقتٍ قصير على تحرير الجرود من الجماعات التكفيرية التي استثمر فيها أكثرُ من طرف داخلي وخارجي، ما يوحي بأنّ الحرب التي انتهت عسكرياً عند الحدود الشمالية والشرقية ستستمرّ سياسياً في صناديق الاقتراع.
وليس أدلَّ على حساسية المواجهة الانتخابية في البقاع الشمالي من كونها تُخاضُ على أعلى مستوى، إذ يتولّى الأمين العام لـ»حزب الله» السيّد حسن نصرالله قيادةَ دفّتِها السياسية مباشرةً وصولاً إلى حدِّ إبداءِ استعداده لزيارة المنطقة والتجوّل فيها برغم المخاطر الأمنية بغية تحصينِ اللائحة وتعزيز مناعتِها، فيما بدا على المقلب الآخر أنّ رئيس حزب «القوات» سمير جعجع يعطي معركة بعلبك – الهرمل اهتماماً فائقاً إلى درجة تلميحه إلى أنّها تتّخذ طابعاً وجودياً على قاعدة «نكون موجودين أو لا».
وكان الأمين العام لتيار «المستقبل» أحمد الحريري قد أطلق «الرصاصة الأولى» في المواجهة بتأكيده أنّ خرق المقعد الشيعي الذي ترشّحَ إليه اللواء السيّد يعادل بالنسبة إلى «المستقبل» المقاعد الـ 127 الأخرى، ما دفعَ مصدراً في لائحة «الأمل والوفاء» إلى القول إنّ على السيّد أن يشكر معراب و»بيت الوسط» لأنّهما ينوبان عنه في خوض حملته الانتخابية ويوفّران عليه عناءَ كثيرٍ من متاعِبها، ربطاً بالخدمات المجانية التي يقدّمانها له، عبر التحريض والتصويب عليه، وهذا ما يؤدّي عملياً إلى مزيد من التعاطف الشعبي معه في بيئة بعلبك – الهرمل.
وبينما يحمل ترشيح السيّد على لائحة «الأمل والوفاء» معنى رمزياً لحزب الله وتحدّياً سياسياً لـ»القوات» و»المستقبل»، علمت «الجمهورية» أنّ فريق الدفاع في المحكمة الدولية طلبَ من السيّد الحضور إلى لاهاي للإدلاء بشهادته أمام المحكمة، في النصف الثاني من شهر نيسان المقبل، خصوصاً أنّه الشاهد المضاد الأساسي بالنسبة إلى هيئة الدفاع، لكنّه اعتذرَ عن الحضور في هذا التوقيت، موضحاً أنه يستطيع أن يلبّي الطلب في النصف الثاني من حزيران المقبل، وليس قبله، في اعتبار أنّ الفترة الممتدة حتى هذا التاريخ مزدحمة بالاستحقاقات، من التحضير للانتخابات النيابية وخوضها، إلى انتخاب رئيس المجلس واللجان بعد الفوز المفترض، وصولاً إلى إجراء الاستشارات لتسمية رئيس الحكومة وتشكيلها، وبعد ذلك يحلّ شهر رمضان.
وإزاء هذه الاعتبارات القسرية، عُرض على السيّد أن يدلي بإفادته عبر الفيديو من بيروت، إلّا أنّه رفض لسببين: الأوّل يعود إلى انشغالاته الكثيفة في هذه المرحلة التحضيرية للانتخابات، والثاني يرتبط بإصراره على الذهاب إلى لاهاي لمواجهة المحكمة مباشرة.
المصدر: عماد مرمل – صحيفة الجمهورية اللبنانية