علي ضاوي
لا تبدي دوائر القرار في «حزب الله» تفاجئها من الحملة المسعورة الشخصية التي تشنها السعودية ضد «حزب الله» وشخص امينه العام السيد حسن نصرالله. اكان عبر خارجيتها او مندوبيها في المجالس الاممية او وكلائها وحاشية الملك في لبنان ودول الخليج الاخرى.
قبل العام 2011 وتحديدا 15 آذار تاريخ خروج اول تظاهرة شعبية مناهضة لنظام الرئيس بشار الاسد في درعا، كان السعوديون يحاذرون الاحتكاك بـ«حزب الله» وايران وجمهورهما مباشرة بغض النظر عن احداث 7 ايار من العام 2008 التي قادت الى تسوية الدوحة، وحتى الانتقاد المتبادل كان يتم بصمت وداخل الاروقة الضيقة منعا للحساسيات المذهبية. الامور كلها تغيرت بعد اللقاء الشهير الذي جمع نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف بالسيد نصرالله في منتصف 2012 وإعلان الاخير تدخل «حزب الله» الرسمي في سوريا.
جن جنون آل سعود وبدأ الثنائي سعود الفيصل وبندر بن سلطان حراكاً دبلوماسيا وسياسيا واسعا لمحاصرة «حزب الله» ووضعه على «لوائح الارهاب» في دول مجلس التعاون الخليجي وكذلك في اوروبا بعد ان سبق للاميركيين ان قاموا بذلك وحاصروا «حزب الله» ولائحة داعميه من المتمولين حول العالم وحتى عمدوا الى قطع بث قناة المنار الفضائية عن منتصف الكرة الارضية!
صارت فرنسا قبلة الفيصل وبندر بن سلطان ونجحا بعد سلسلة من اللقاءات مع دوائر الاليزيه في إقناع الرئيس فرنسوا هولاند بوضع «حزب الله» على لائحة الارهاب الفرنسية تحت ضغط الحوافز الاقتصادية والمليارات السبعة التي وعدت السعودية بدفعها لفرنسا كصفقات تجارية ونفطية وشراء اسلحة للبنان والمملكة. وما قام به هولاند كان سلفيه نيكولا ساركوزي وجاك شيراك يمتنعان عن القيام به بضغط من الرئيسين الراحل رفيق الحريري ونجله الرئيس سعد لما هذا الامر من تأثير على وجود تيار «المستقبل» في السلطة ورئاسة الحكومة، ويعرف الاثنان كما كل الطبقة السياسية اللبنانية ان لا سلطة في لبنان تستطيع ان تحكم او تسيطر بتهميش «حزب الله» وتجاوزه.
الحقد السعودي الدفين ضد «حزب الله» وايران وفق المداولات الداخلية للحزب ليس وليد الانتصارات المتتالية في المنطقة ضد الارهاب التكفيري من لبنان الى سوريا والتي يحقق فيها تحالف حزب الله ـ الجيش العربي السوري واللجان الشعبية انجازات ميدانية متصاعدة الى العراق ولمسات الجنرال قاسم سليماني الواضحة في تنظيم قوات الجيش العراقي والحشد الشعبي وما يحققانه من انجازات ميدانية في وجه «داعش» الى اليمن التي كان الاسلم للخليج والسعودية ان يقتنعوا بحق الحوثيين بالمشاركة العادلة في السلطة وليس عزلهم وتهميشهم ومعاملتهم كمواطنين يمنيين درجة ثالثة.
وتشير هذه المداولات الى ان السعودية ونظام حكمها الوهابي لا يؤمن بالشراكة السياسية ولا بالتنوع الديني والسياسي والاجتماعي ولم يستطع ان يهضم وجود قوة اسلامية اخرى في الخليج فلو اسمى الامام الراحل روح الله الموسوي الخميني ثورته بالثورة الفارسية لكان اسعد وهابي آل سعود لانهم يعتقدون انهم الاولى والاحق بقيادة العالم الاسلامي فكيف سيقبلون بالثورة الاسلامية في ايران والتي ستكون لهم شريكة وحاضرة في العالمين الاسلامي والعربي؟ وتسأل متعجبة: «كيف يقبل بالشراكة من يحتكر رؤية الهلال وتحديد بداية عيد الفطر وموسم الحج وعيد الاضحى»؟
التطورات الاخيرة والمتسارعة في ملفي البحرين واليمن وتعليق السيد نصرالله عليهما واشارته بوضوح الى ضلوع السعودية بتأجيجهما، لم يرق للرياض واستجلب ردودا كلامية وسياسية واعلامية عنيفة ارتدت بشكل سلبي على الحوار القائم بين «حزب الله» وتيار «المستقبل» فكانت الجلسة السابعة والثامنة منه اخيرا والتاسعة التي ستعقد خلال ايام للعتاب وتصويب المواقف وتأكيد ان المواقف هي في السياسة الخارجية والملفات الاقليمية ولا تستهدف لا الحوار ولا الاستقرار.
اما عن الحكومة فبعد مواقف الوزير اشرف ريفي واتهامه «حزب الله» بالفساد وتغطية الفاسدين والسجال الذي احدثته بين ريفي ووزيري الحزب محمد فنيش وحسين الحاج حسن، يأتي انحياز رئيس الحكومة تمام سلام الى جانب السعودية في عدوانها عن اليمن بتفرد واضح وتجاوز لـ8 وزراء من 8 آذار ولا سيما «حزب الله»، ليصعد التوتر داخل الحكومة فالتوضيح الذي اعلن عنه وزير الحزب حسين الحاج حسن ان موقف سلام يعبر عن موقف تيار المستقبل و14 آذار ولا يعبر عن موقف «حزب الله» وحلفائه الاخرين سيكون حاضرا ايضا في جلسة الحكومة غدا الخميس للتأكيد ان «حزب الله» لا يغطي موقف سلام من القوة العربية المشتركة ولا يؤيد العدوان السعودي على اليمن.
حوار الضرورة والشراكة بـ«الاكراه» في حكومة الامر الواقع، الخياران الاخيران امام «حزب الله» و«تيار المستقبل» لاستمرار الحد الادنى من الاستقرار الداخلي وانعكاس للتواصل في حدوده الدنيا بين ايران والسعودية، فكلما تأزم المشهد الاقليمي واستعر الصراع بين الرياض وطهران سيترنح حوار عين التينة وستهتز حكومة تمام سلام ولكنهما لن يقعا او يسقطا وستبقى ايدي اللبنانيين على رؤسهم وقلوبهم!
المصدر: شارل أيوب