تحتاج التطوّرات الداخلية المتسارعة الى مُنجِّم مغربي لفصل الخيط الأسود عن الخيط الأبيض.
ثلاثة من الأقطاب الموارنة الأربعة لُعِبت أوراقهم حتى الآن: الرئيس سعد الحريري تبنّى ترشيح الدكتور سمير جعجع أولاً، وعندما تيقّن أن طريق بعبدا مقطوعة أمام حليفه، انتقل الى اختبار حظوظ العماد ميشال عون. ثم قدَّم «عرضاً لا يمكن رفضه» بتسمية النائب سليمان فرنجية، لكنه حوصر بالعوائق ورفع سقوف الشروط.
لا فرضَ لرئيس. ولا رئيسَ بِلا موافقة «حزب الله». ولا موافقة من «الحزب» إلّا بموافقة العماد عون، ولا موافقة من عون.
ولا رئيسَ بِلا موافقة المسيحيّين. ولا موافقة من المسيحيّين حتى على واحد من الأقطاب الأربعة.
لا رئيسَ بِلا موافقة السعودية وإيران. ولا موافقة لا من السعودية ولا من إيران، خلافاً لما يُشاع، ولن تضغط الرياض على جعجع، ولا طهران على
«حزب الله».
إنتهت مدّة عمل عرَّابي التسوية الأخيرة في لبنان، قبل أن تنضج طبختهما الرئاسية، وهما سفيران غربيان سابقان.
والعارفون يجزمون أن الأميركيين طلبوا من السعوديّين التنسيق مع هيل، قبل مغادرته، في ملف الرئاسة. وإن اللقاء المسجّل بين وزيرَي خارجية إيران والسعودية محمد جواد ظريف وعادل الجبير في فيينا لم يَدُم أكثر من 12 دقيقة ولم يتطرّق الى قضايا غير اليمن في مُجمله.
التسوية وقعت الآن أمام عقبتَين اساسيتين:
الأولى: تكتّل عون و«القوات» و«الكتائب»، وعَدَم استعداد بكركي للدخول طرفاً في المواجهة الشرسة بين المسيحيّين.
الثانية: حسابات «حزب الله» الدقيقة في موازين التسوية والربح والخسارة، بعد بلبلة الساعات الأولى لتسرُّب خبر اجتماع باريس.
لا يقبل «الحزب» بأن يختار الحريري رئيس الجمهورية. ولا يوافق على أن تكون التسوية مقتصرة على تبادُل قوى «8 و14 آذار» لموقعَي رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة.
ولا يَرضى «الحزب» أن تكون التسوية إلّا معه، وعلى أساس سلّة متكاملة تشمل الرئاستَين وشكلَ الحكومة والثلثَ الضامن فيها وبيانها الوزاري وبرنامجها السياسي، إضافة الى قانون جديد للإنتخابات النيابية واللامركزية الإدارية الموسّعة والإتفاق على العناوين الخلافية من المحكمة الدولية الى السلاح ومشاركته في القتال في سوريا.
أمام هذا الواقع، لن يعود الحريري الى بيروت هذا الأسبوع، كما توقّع البعض، وإن كان يواصل الدفع في اتجاه إنهاء الشغور في رئاسة الجمهورية سريعاً.
والرئيس نبيه برِّي لن يضرب «الميثاقية» ما دام «البلوك الماروني» قائماً، ولن يتجاوز مصالح «حزب الله»، وإن سعى الى جسّ نبض طهران في خلال زيارة الوزير علي حسن خليل إليها.
والدكتور جعجع لا يستسيغ الوصول الى محاصرته بالمفاضلة بين عون وفرنجية، ويُفضِّل طيّ صفحة هذه المرحلة كاملةً، لفتح باب الرئيس التوافقي.
وعون الذي فاجأ الجميع بصمت بليغ، رسمَ الوزير جبران باسيل خطوطه الحمر وأحكمَ إقفال الأبواب أمام محاولات الإقناع والإغراء.
تأخذ بعض القوى على الحريري وفرنجية أنهما تسرَّعا وسرَّعا الخطوات، لكن الواقع إنه كلما تأخّرت التسوية ازدادت العراقيل والتعقيدات وتقلّصت حظوظها.
هذا ما يحصل عندما يعجز المسيحيّون عن التوافق على إسم واحد.
المصدر: الجمهورية