كتب محمد طراف
وعُدنا إليك، نتفيّأ ظلّ عينيك، نلوذ بالمآقي، نطلب بعض بَسْمِك لتمسح عنّا الحزن، نستضيء بنور وجهك في ظلمة أيامنا، نمسك يديك لتمسح رؤوسنا، فقد أرهقنا اليُتم، واستنزفنا الفراق، فلا طاقة لنا على المزيد.
سنوات تسع مرّت على رحيلك، ولو أنّك تُبعث فينا في كل يوم، تحضرنا روحُك في كل ساعة، تسدّدنا كلماتك مع كل محنة، يقودنا طيفك عند كل شدّة، وما أكثر المحن والشدائد التي تحيط بنا، وما أصعب النازلات فينا التي تأتينا من كل حدب وصوب. كيف لا والمتربّصون كُثُر، والمتطاولون في تزايد، يكرّرون الأساليب القديمة، بمكرهم اللئيم، يستخدمون أقذر الأساليب والافتراءات في مواجهة أنبل الدعوات وأطهر الدُّعاة.
فليس بُعدنا عنك بالأيام والسنوات ولا حتى بالمسافات، وإنّما بالابتعاد عن فكرك وتعاليمك، وبالتقوقع والانعزال، كيف لا وفكرك بحجم العالم، وسعة الكون، ورحابة الإنسانية. فأيُّ حياة هذه التي لستَ فيها، وأيُّ موت هذا الذي يحويك. فأنت الذي أوجدت لنا مكاناً تحت الشمس، وأعدت لنا إنسانيّتنا والإحساس بها. فكنت للعقل وقودَه، وللقلب نبضَه وللروح ألقَها.
نحمل رسالتك وفكرك للعالم، فنجد اسمك يسبقنا أنّى حللنا، تستقبلنا قلوبٌ ملأى بالحب، وعقولٌ تنضح بفكرك، وألسنةٌ تحدّثنا عنك، فنكتشف تقصيرنا في إدراكك وإيفائك بعضَ حقك. فكما كان فكرك إنسانياً عالمياً، أصبحت عنواناً للإنسان، وصرت بحق إنسانَ الله.
بعد سنوات تسع على الغياب، ما زالت ثورتك الإنسانية تضيء بوميضها الطريق للسائرين، وتلهم بجذواتها العقول، رغم العراقيل الكثيرة التي وُضعت في طريقها، وما زالت، وفي كل مرة بلون جديد وطريقة أخبث.
لم ييأس أولئك المبطلون من مكرهم وحيلهم، فما زالوا يحاولون أن يخربوا على الناس دينهم، فيبيعون آخرتهم بدنياهم، لا لشيء إلا لمرض في قلوبهم، وأحقاد دفينة تضيق بها صدورهم، فتنفث بها ألسنتُهم.
فمنذ أن التزمنا فكرك أدركنا أنّنا نسير في طريق ذات الشوكة، لأننا نمشي بعكس التيار، والمضيّ قُدُما معك مكلف جداً، وهذا ما نواجهه منذ غيابك؛ من التخلف والاستكبار والخرافيين، هم ما زالوا هم، لا بل ازدادوا شراسة في غيابك، محاولين استغلال ما يظنونه فراغاً وضعفاً، ولكن هيهات هيهات، يأبى الله لنا ذلك…
رغم الصعاب سنبقى بإذن الله ما دام في العمر بقية، ومهما نكأوا من جراح، واقترفوا من أباطيل، واشتروا من ذمم، وحرّضوا على المنابر، من معممين بلا دين وأدوات صغيرة رخيصة، سنبقى حاملين لشعلة هذا الفكر إلى أن يستبدلنا الله بقوم آخرين.
نقول للمحبين: لا تهنوا ولا تحزنوا، وتوكلوا على الله وحده، وكما كنت تقول أنت: إذا كان هذا الفكر لله فالله كفيل به، وإذا لم يكن لله فليذهب هباء منثوراً، فالله لن يَتِرَكم أعمالَكم وسيدافع عن الذين آمنوا. ونقول للذين يختلفون معنا، إن كل العراقيل لن توقف المسيرة، وتوالي الافتراءات وتضليل الناس سيرتدّ سلباً عليكم، وسيجعل مريدي السيد أكثر تصلباً، وأشد تعلقاً بهذا الفكر…
في يومك سيدي نجدد العهد والوعد على أن نبقى في خط الله ورسوله وأهل بيته(ع)، وأن نكمل مسيرتك، كلٌّ بما آتاه الله من طاقة وأعطاه من نعم… وسنعمل بفضل الله وعونه على أن نحقّق التفاتات حياتك وأفكارك التي تركتها أحلاماً فوق ضريحك…
* مدير التحرير في المركز الإسلامي الثقافي