أي تأثير لانفجار حارة حريك على خيار «الأمر الواقع»؟
عندما تصبح معركة «التأليف» مصيرية!
عماد مرمل
تجاوزت مفاعيل الاشتباك السياسي حول حكومة الامر الواقع المفترضة، حدود الخلاف الطبيعي والتقليدي على الحصص والأحجام في اي حكومة جديدة، لتطال الركائز الميثاقية والدستورية التي تقوم عليها الصيغة اللبنانية، المفرطة في حساسيتها، الى حد عدم قدرتها على تحمل أي «حمولة زائدة».
من هنا، يتعاطى فريق «8 آذار» مع محاولة فرض حكومة غير توافقية باعتبارها تشكل انقلابا على القواعد الوطنية والدستورية التي أرساها اتفاق الطائف بعد 15سنة من الحرب والدماء، بل هناك في هذا الفريق من يذهب في هواجسه الى حد التأكيد ان المسألة باتت مسألة وجودية، لا تقل شأنا عن معركة الوجود التي أعلن عنها الامين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله في سوريا.
ولعل التفجير الذي استهدف حارة حريك أمس، معطوفا على ما سبقه، يزيد من حساسية قوى «8 آذار»، وفي طليعتها «حزب الله»، حيال حكومة الامر الواقع، لا سيما ان الحزب الذي يخوض مواجهة مصيرية مع الجماعات التكفيرية في الداخل اللبناني والميدان السوري، لا يبدو مستعدا للتسامح مع ما يعتبره استهدافا له في السياسة، عبر السعي الى فرض حكومة عليه، يراد منها – برأيه – ان تكون إحدى الأدوات المستخدمة في المواجهة المفتوحة معه، إقليميا وداخليا.
ولئن كان التحسّب للفراغ الرئاسي هو من بين الاسباب التي تحض الرئيس ميشال سليمان والرئيس المكلف تمام سلام على تشكيل حكومة جديدة، من دون انتظار التوافق عليها، إلا ان السؤال الذي يتم تداوله في العديد من الصالونات السياسية هو:
هل ان حكومة أمر واقع حيادية ستتحول الى تصريف الاعمال لعدم قدرتها على نيل الثقة النيابية، وربما ستعاني من نقص في الميثاقية ايضا إن استقال بعض وزرائها، هي مؤهلة كي تملأ الشغور الرئاسي أكثر من الحكومة الحالية التي وإن كانت تتولى تصريف الاعمال، إلا انها حاصلة على ثقة مجلس النواب وتعبر عن حد أدنى من التوازنات السياسية، بتمثيلها لكل من رئيس الجمهورية والنائب وليد جنبلاط و«التيار الوطني الحر» وقوى «8آذار»، وحتى لقوى «14آذار» الحاضرة من خلال سلوك الرئيس نجيب ميقاتي الذي كان حريصا ولا يزال على مراعاة تيار «المستقبل» وحلفائه في القرارات التي تصدر عن حكومته؟
وفيما يواصل فريق «8 آذار» مشاوراته لتحديد خياراته، يعدد قيادي بارز فيه الاعتبارات التي تدفع الى مواجهة حكومة الأمر الواقع كالآتي:
– ان «الطائف» نقل مركز السلطة من رئاسة الجمهورية الى مجلس الوزراء مجتمعا، وهذا يعني انه لم يعد جائزا تأليف حكومات لا تتمتع بصفة سياسية – تمثيلية، أو لا تحظى على الاقل بتغطية من أقطاب البلد.
– ان الوزراء بموجب «الطائف» ليسوا موظفين بل هم شركاء في القرار والسلطة، وبالتالي لم يعد يحق لرئيس الجمهورية والرئيس المكلف احتكار عملية اختيارهم، من دون التوافق مع المرجعيات المؤثرة.
– ان الشعور بالغبن وضعف المشاركة، كان من احد الاسباب الاساسية للحرب التي امتدت من عام 1975 الى عام 1990، وبالتالي فإن لجوء رئيس الجمهورية والرئيس المكلف الى تسمية وزراء الطوائف وفرضهم عليها، إنما ينطوي على تصرف خطير واستفزاز كبير يسيئان للتضحيات التي بُذلت خلال 15 عاما من الحرب، للوصول الى شراكة حقيقية في السلطة، تضع حدا للهيمنة والإقصاء، وتلغي التمييز بين طوائف درجة أولى وطوائف درجة ثانية.
– إذا كان حزب الله صانع انتصارين تاريخيين ضد اسرائيل عام 2000 وعام 2006، وبات يشكل رقما صعبا في المعادلة السورية والوضع الإقليمي، وإذا كان يمثل مع حركة «أمل» معظم الطائفة الشيعية، فان هذا الثنائي لن يتقبل بطبيعة الحال تهميشه ومحاولة فرض الوزراء الشيعة عليه، في لحظة وصول قوته الى حدها الأقصى.
– هناك قناعة لدى «حزب الله» بان الهدف الحقيقي من الحكومة الحيادية هو تهميشه وإقصائه عن السلطة، بناء لرغبات خارجية وداخلية، الامر الذي يعني ان مضي رئيس الجمهورية والرئيس المكلف في هذا الخيار سيُفسر من قبل الحزب على أساس انه انخراط في المعركة التي يشنها ضده المعسكر المضاد، اقليميا ومحليا، وهذا سيجعل المواجهة مع الحكومة شرسة ومفتوحة على كل الاحتمالات والسيناريوهات.
ويلفت القيادي في «8 آذار» الانتباه الى ان تأليف حكومة أمر واقع سيكون بمثابة طعنة في ظهر اتفاق «الطائف»، ملاحظا ان قوى «8 آذار» المتهمة عادة بالسعي الى الانقضاض عليه، تبدو الآن متمسكة به أكثر من أي وقت مضى، في مواجهة حكومة الامر الواقع، بينما تستسهل قوى «14 آذار» هدر دمه واستباحة جوهره.
ويتساءل القيادي عما إذا كانت لتيار «المستقبل» تحديدا مصلحة في التفريط بالطائف وما يمثله له، من أجل مكاسب ظرفية، بل وهمية، مشيرا الى ان تشكيل الحكومة من خارج معايير هذا الاتفاق وضوابطه سيؤدي الى فتح أبواب مغلقة وسيدفع في اتجاه المطالبة بتغييرات في النظام السياسي.
ويرى القيادي نفسه ان حكومة الامر الواقع ستقود «8 آذار» الى رفع سقف مقاربتها السياسية لاستحقاق انتخابات رئاسة الجمهورية، معتبرا ان فرص التوافق على الرئيس المقبل ستتلاشى في ظل المناخ الصدامي الذي ستنتجه الحكومة غير التوافقية. وعندها، لا يستبعد القيادي ان تتمسك «8 آذار» بترشيح العماد ميشال عون او النائب سليمان فرنجية الى الرئاسة.