في فهم الله سبحانه وتعالى

المطران جورج خضر
19 تموز 2014

أن تقبل الآخر في ما هو آخر أمر عسير للغاية لأنه يعني قبولك أنه لا يخضع لك أو لا يتكلم مثلك وإن هذه الدنيا قائمة على التنوع وأن الله يتعامل وإياها على هذا الأساس. فالله لا يرغمها على التوحد ولو شاءه على أية صورة تتوحد؟ هل عند الرب صورة عن وحدتنا؟ ما من شك عندي أنّ الرب أرادنا أن نكون أمة واحدة مجمعة على فكره ولكنه لم يرغمنا على ذلك. هل يروقه التعدد أو التنوع؟ ما أعلمه أنّ حريتنا تروقه ويريد أن نقبل اليه بهذه الحرية لأن محبتنا له بإرغامنا عليها ليست محبة.

هذا سر الله في معاملته إيانا أنه يترك لنا حرية حبه إذ، بصورة ما، يعاملنا مثل شبيهين به. إن دونية رهيبة إذا قامت بيننا وبينه تلغي الشبه بيننا وبينه وتاليا تلغي الحوار. فقط الأحرار روحيا يعرفون هذا الحوار. أجل، إن كنت عظيم التقوى تحسّ بالخضوع لربك أي بكلامه وحده. ولا تعرف نفسك شيئا ولكنه هو لا يريد ذلك. طبعًا، السؤال العظيم الرهيب هو كيف تحاور ربك وهو ليس بعديل لك؟ ليس عندي جواب. هذا سره. ولكن هو يجعلك تحبه وبمعنى سري لا يفهمه أحد يقارن بينك وبينه أي يجعل معك نوعا من المساواة في التعامل. ينزل اليك بحبه ولا يخشى أن ينزل اليك إن كنت لا تتعظم وهو لا يعوزه شيء. الله يقول إنه يحاورنا. أنا لست أقول إننا نحاوره. نحن نرتضيه لأننا نحبه من بعد إيمان. هو له الحق أن يقنعك أنك تحاوره لأنه هو أيضا يؤمن بك محاورا إذ هو قادر أن يرفعك الى هذا المستوى.
تعلمت عند أساتذة كانوا يقولون إن الله صديق. كنت أفهم حبهم له. ولكن صعوبة هذه الكلمة عندي أنها مبنية على مساواة ما بيني وبينه.
أفهم أن أساتذتي مسيحيون ويحبون هذه الوحدة بينهم وبين الرب. ولكن هذه جسارة من قبلنا. هو وحده له الحق أن يقول إننا واحد معه لأنه قادر في كل حين أن يبرئنا من الخطيئة. لعل المسيحية تيسر القول على أننا في وحدة حال مع الرب. ولكن هذا انعطاف من الله وهو محقق فقط إن بقينا على العمل الصالح. إن كشف يسوع المحبة الإلهية لنا يستمر في دوام الطاعة له. ليس لأحد منا شهادة حسن سلوك من الله مسبقة للسلوك. رضاء الله عنك مشروط بحبك له.
هذا سر الله وحده أن يقبل أبناءه مختلفين. ليس ما يدل على انه يسر بالإختلاف ولكنه وحده قادر أن يقرأ وحدتنا في اختلافنا لأن الوحدة ليست في من تراهم ولكنها في حبك لهم. حبك لهم يجمعهم الى الله. المحبوبية كما يرونها فيهم هي محبو بيتهم لدى الله. العاطفة البشرية وحدها إذا رأوها بينهم تدوم أو لا تدوم. الحب الإلهي وحده ثابت لأنه مستقل عن تقلبات القلب.
“إن أحببتم الذين يحبونكم فأي أجر لكم؟” وكأنه يقول إن المحبة دفق إلهي تتقبلها أنت شاكرا ولكنك لا تصنعها. أنت لا تكون محبا في العمق وحتى النهاية إلا إذا أحببت المختلف لأن في هذا فقط محبة إلهية. إن أحببت من يشبهك يبقيك في نفسك. الحرية أن تحب من لا يشبهك. أخرج من نفسك هذا هو سر الحرية.
“أن تقبل الآخر في ما هو آخر” يعني أن لك معه وحدة الخلق التي بالله. البشر بالحب يصيرون كالبنيان المرصوص. ما عدا ذلك “الإنسان ذئب للإنسان”. كيف تقضي على الذئبية فيك هذا كل جهدنا الى أن يجعلنا الله حملان المسيح.
أن تصير حملا أي قابلاً على إعطاء الحب يتطلب كل حياتك. أصعب من هذا وأعلى أن تفهم أن الآخر كل حياتك لأن شرط حياتك موتك في سبيله.
الحياة الجديدة ليست أن تغير مسلكاً لك في الوجود خارجيا. هي أن تغير كل فكرك بحيث يصبح مطابقا لفكر الله. إن كان لك فكر آخر فلست لله. الحرية الوحيدة المتروكة لك أن تقرأ الوجود كله من خلال الله أي أن تراه من الله. والى الله. ما عدا ذلك لهو أو لغو. إعرف كيف تفكر مثل الله. بهذا تصبح حقيقيا.

النهار

شاهد أيضاً

في رثاء الحاج طلال شرارة (أبو علي)

قم أيها الحبيب! رد هذا التراب عن وجهك وحدثنا فنحن لم نودعك كما الزوجة والأبناء …