استخدمت السعودية وبذكاء سلاح المال، على مدى عقود طويلة، لتجميل صورتها، ونشر وهابيتها، ولإسكات منتقديها وارعابهم، وللضغط على خصومها واثارة المشاكل لهم، وشن حروب عليهم بالوكالة، فجندت لذلك جيوشا جرارة من الاعلاميين والسياسيين، واسست القنوات التلفزيونية والفضائيات والصحف والمجلات، وتنظيمات وجمعيات دينية، حتى وصل الامر ان يفكر اي اعلامي او سياسي او مثقف، الف مرة، قبل ان يوجه ادنى انتقاد للسعودية وسياستها و وهابيتها.الملفت ان الارهاب الذي اشاعته السعودية في العالم العربي، بقوة المال، أخفى كثيرا الوجه المخيف للنظام السعودي بشقيه السياسي والديني، فالمال السعودي خلق هالة حول هذا النظام، شغل الكثيريين عن النظر الى القبح المخيف في هذا النظام الذي يعود الى اكثر العصور جاهلية وتخلفا.
من سوء حظ السعودية، ان ثورة المعلومات، لم تأت في صالحهم، رغم انهم حاولوا استخدامها من اجل الابقاء على قبح نظامهم في الظل، ولكن هذا لم يحدث، فهذه الثورة عرت السعودية من كل اللبوس التي حاولت التستر به عن الاخرين، فظهرت على حقيقتها، نظام شاذ قبلي ونظام ديني تكفيري، وزاد هذا القبح بروزا ما عرف بثورات الربيع العربي، التي قلبت اوضاع المنطقة رأسا على عقب، بعد ان اضطرت السعودية ان تتجرد من كل شيء وتنزل بطبيعتها الحقيقية في الميدان من اجل الدفاع عن كيانها الذي اخذت تتهدده المتغيرات المتسارعة.
نزول السعودية في الميدان تجسد في اغراق العراق بالمجموعات التكفيرية وشرائها الذمم هناك لضرب كل محاولة لاستقرار هذا البلد، واحتلالها البحرين، ونشر الموت والخراب في سوريا، عبر ذات المجموعات التي ارسلتها الى العراق، واحرقت اليمن، وحاولت احراق لبنان، الا ان كل محاولاتها هذه لم تبعد الخطر عن كيانها، بل الذي حصل هو العكس تماما، فقد انتقلت بعض المجاميع التكفيرية من العراق وسوريا اليها.
السعودية وبعد مرور نحو خمس سنوات على فرضها الحروب والفتن والجماعات التكفيرية على المنطقة، لم تحقق اي من اهدافها، فمشروعها في سوريا فشل فشلا ذريعا، واخذت تغرق في المستنقع اليمني، وخرج العراق من هيمنة عملائها، وافتضح امرها في البحرين، الامر الذي جعلها تعيش حالة احباط وانكسار، ارتدت حتى على ادارتها للحج، فكان موسم الحج هذا العام من اكثر الاعوام مأساوية، حيث شهد سقوط الرافعة على الحرم المكي، واندلاع حريق هائلة في احد فنادق مكة، واما الكارثة الكبرى فتمثلت بفاجعة منى واستشهاد اكثر من الف حاج من مختلف الدول الاسلامية، الامر الذي اسقط اخر اوراق التوت التي كانت تتستر بها السعودية، لاخفاء فشلها وعجزها واحباطها وتخبطها.
السعودية وعوضا من اعادة النظر في سياستها الكارثية على الصعيدين الداخلي والخارجي، نراها تتمادى فيها، وتلجأ الى “اسرائيل”، بعد ان عجز المال من ان ينقذها، اعتقادا منها ان “اسرائيل” لما لديها من حظوة لدى امريكا والغرب، قد تشكل لها طوق نجاة، من الخطر الداهم الذي يتهددها.
حالة الهلع والاحباط والتخبط هي التي تفسر، هذا الغزل السعودي الرخيص ل”اسرائيل” ومحاولتها لكسب ودها وبشكل علنى وامام الجميع ومن دون خجل او وجل، بل ان السعودية و “اسرائيل” تصران على الكشف عن اللقاءات التي تجري بين مسؤوليها، لجعلها طبيعية، واخراجها من نطاق “المحرمات”.
قبل ايام كشف وسائل اعلام “اسرائيلية” عن لقاء رسمي جرى بين الامير تركي الفيصل مسؤول الاستخبارات السابق و رئيس حزب “هناك مستقبل” الصهيوني يائير لابيد، يوم الثلاثاء الماضي في نيويورك، بعد أن كانت لقاءات الامير تركي المعلنة مع مسؤولين من الكيان الصهيوني، تقتصر على حضور ندوات سياسية مع شخصيات “اسرائيلية ” ومن بينها الوزيرة السابقة تسيبي ليفني.
الملفت ان لبيد قال في هذا اللقاء: ان (السعوديين)، يعلمون أنني لن أقبل بحق العودة، ولم نتحدث عن تقسيم القدس أو عن الانسحاب من الجولان، ولكن الاتفاق كان حول وجود أساس لعقد مفاوضات إقليمية وليس فقط فلسطينية!!.
هذا اللقاء جاء بعد اللقاء الذي جمع الجنرال السعودي المتقاعد أنور عشقي بمدير عام وزارة الخارجية الصهيوني دوري غولد، في ندوة سياسية بواشنطن بحثت ملف الشرق الاوسط، وما تلاها من مقابلة مثيرة خص بها عشقي أحد القنوات “الاسرائيلية”، وكشفت وقتها عن مدى التقارب السعودي – “الاسرائيلي”، حين وصف بنيامين نتنياهو بـ “الرجل القوي والواقعي”، وتحدث عن إيران كعدو..
صهيونيا، واصل رئيس الوزراء الصيوني بنيامين نتنياهو، هذيانه حول ايران، خلال خطابه امام الجمعية العامة للامم المتحدة، والذي تحدث فيه عن “الخطر الايراني” على “اسرائيل” والمنطقة، وضرورة ان يكون هناك تعاون بين كيانه وبعض الدول العربية من اجل مواجهة هذه “الخطر”.
يبدو ان التعاون “السعودي الاسرائيلي” لم ينحصر في الكلام فحسب، فقد انتقل الى التطبيق الواضح والفاضح، حيث اكدت مصادر محلية في منطقة عسير جنوبي غربي السعودية ان طائرة من نوع بوينغ 747 تابعة للقوات الجوية “الاسرائيلية” تقوم بنقل الاسلحة والصواريخ والمعدات الى قاعدة خميس مشيط في امارة عسير لدعم القوات الجوية لتحالف العدوان السعودي على اليمن.
واكدت هذه المصادر ان جسرا جويا اقامه الكيان الصهيوني مع القاعدة الجوية حيث يجري امدادها بالذخيرة وتعويض مخزونها من الصواريخ، من اجل السيطرة على باب المندب، وهو المضيق الذي اشار اليه نتنياهو بخطابه امام الجمعية العامة للامم المتحدة، والتي “حذر فيه من سيطرة ايران على هذا المضيق وتهديدها للملاحة الدولية هناك”، وهو ما يستوجب العمل على عدم وقوع ذلك.
ان حالة التخبط التي تغرق فيها السعودية، تؤكد ان الفتق السعودي بات اكبر من ان يرتق بالمال، او بالعلاقة مع “اسرائيل”، او بنشر الوهابية والدمار في المنطقة والعالم، فهذا الفتق سيعجل بنهاية حكم آل سعود على جزيرة العرب، ومثل هذه نهاية ستكون قريبة جدا.
* نبيل لطيف – شفقنا
المصدر: العالم