محمد بلوط
AM 02:08 2014-09-10
خلال ساعات تتحدد الإستراتيجية الأميركية الجديدة إزاء «داعش»، ويلقي الرئيس باراك اوباما خطابا يرسم فيه الخطوط العريضة للسياسة الأميركية في السنوات المقبلة تجاه «دولة الخلافة»، والخيارات التي ستعتمدها الولايات المتحدة، بين وقف تمددها او احتوائها أو تدميرها، ودرس البدائل المتاحة عن تنظيم «الدولة» الذي قدم الكثير من الخدمات للإستراتيجيات الإقليمية من تركية وخليجية، قطرية وسعودية، أو دولية من أميركية وغربية في قتال الجيش السوري، قبل أن يختلف معها في العراق بشكل خاص، وتخرج عن نطاق السيطرة في سوريا.
وينبغي على الأميركيين بناء على ضغوط تركية وسعودية وغربية، التوصل إلى تحديد إستراتيجية ضد «داعش» لا يستفيد منها الجيش السوري. كما ينبغي عليهم إقناع الاستخبارات التركية والرئيس رجب طيب أردوغان، بالتخلي عن دعمهم لـ«داعش»، وتقديم مجموعة سورية مسلّحة اخرى قادرة على استنزاف الجيش السوري، وهو ما يبدو صعباً حتى الآن.
وبحسب مصادر ديبلوماسية، يطالب الأتراك بفرض منطقة حظر جوي فوق الشمال السوري كتعويض عن جنود البغدادي، وللقبول بالمشاركة في أي جهد إقليمي ضد «داعش»، الذي ساهم ضمن الإستراتيجية التركية المزدوجة تجاه سوريا و«حزب العمال الكردستاني»، في توريط الأخير في معارك بعيدة عن تركيا وزجّه في جبهات كوباني عين عرب السورية، وإرسال آلاف المقاتلين من معقلهم التاريخي في جبل قنديل، إلى مخمور وجلولاء وكركوك وغيرها، دفاعاً عن الأكراد، وحروب أهلية تشغله عن تركيا.
ويتزامن مع الإعلان الرئاسي الأميركي، تسارع واضح في بناء تحالف عالمي ضد الإرهاب، يوفر للرئيس الأميركي ركائز دولية وإقليمية لتنفيذ سياسته التي يمكن الاعتماد عليها. فبعد الكشف عن النواة الغربية والأطلسية، للتحالف مع واشنطن ضد «داعش»، التي تضم فرنسا والولايات المتحدة وبريطانيا وكندا وأستراليا والدنمارك وألمانيا وإيطاليا وتركيا وبولندا، استدعى وزير الخارجية الأميركي جون كيري إلى جدة مؤتمراً إقليمياً غداً، دعا إليه وزراء خارجية عشرة بلدان عربية، من بينها دول «مجلس التعاون الخليجي» والأردن وتركيا ومصر ولبنان.
وتبدو الخيارات الرئاسية الأميركية الأولى متجهة نحو احتواء «داعش» في العراق أكثر منها نحو تدميره. فمن دون قوة برية محلية على الارض في سوريا مشابهة للتحالف القائم في العراق من جيش عراقي وبشمركة وقوات «حزب العمال الكردستاني» وغرفة عمليات إيرانية في أربيل ومقاتلي العشائر السنية، لا يمكن الاستغناء عن الجيش السوري القوة الجدية الوحيدة في مواجهة «داعش».
وجلي أن الرئيس الأميركي سيقبل بشروط حلفائه من فرنسيين وبريطانيين وأتراك، باستبعاد الحكومة السورية من أي تحالف ضد الإرهاب، بالإضافة طبعاً إلى عدم دعوة إيران، برغم وجود تفاهم إيراني أميركي على مواجهة «داعش» في العراق.
ويبدو أن هذه المسألة ستعالج بتفاهمات سرية وعبر قنوات غير مباشرة، إذ تقول مصادر عربية مطلعة إن الاميركيين والسوريين يواصلون معاً تنسيق الاحداثيات والمعلومات التي تجنيها الطائرات الاميركية في طلعاتها فوق سوريا، خصوصاً في الرقة ودير الزور، معقلي «داعش».
وتقول مصادر عربية لـ«السفير» إن طائرات «أواكس» أميركية دخلت المجال السوري في الرقة ودير الزور في الأسبوعين الأخيرين لملاحقة أرتال لـ«داعش».
ويبدو أن الخيار السوري والأميركي في مواجهة التنظيم، على ما يقوله المصدر العربي، هو مواصلة التنسيق عبر طرف ثالث من دون أي تواصل مباشر. وتقوم قناة عربية بنقل رسائل بين الطرفين وإجراء حوار ومفاوضات بينهما، حيث نقلت واشنطن في المقابل تطمينات إلى الجانب السوري بأن مواقعه لن تتعرض لأي ضربة، كما أن دمشق لن تكون مهددة في أي عمليات عسكرية.
وفي انتظار خطاب اليوم، لا يزال السؤال الآخر معلقاً، عن جدية الإدارة الاميركية في استعادة الرهان على «المعارضة السورية المعتدلة» كقوة مواكبة محلية ودعم للضربات الجوية، وهي المعارضة التي وصفها أوباما في سجاله مع وزيرة خارجيته السابقة هيلاري كلينتون بـ«الفانتازيا».
وكانت آخر المحاولات لتأهيل المعارضة المعتدلة انتهت في كانون الأول من العام الماضي، عندما أفرغت «الجبهة الإسلامية» الممولة سعودياً، مخازن أسلحة «هيئة أركان الجيش الحر المعتدل» في باب الهوى، من التقديمات الغربية والاميركية، ووصل جزء كبير منها إلى «داعش» عبر الألوية والكتائب التي تستخدمها كواجهات للعمل في قلب المعارضة المسلحة.
وكانت قد فشلت جميع محاولات تأهيل قوة سورية معتدلة يقودها حالياً ضابط سوري كبير منشق من دائرة الرئيس بشار الأسد الأولى، يقوم برحلات مكوكية بين اسطنبول وعمان، تخلت عنه الولايات المتحدة، وتدعمه فرنسا. كما أن إعادة تأهيل أي قوة معارضة مسلحة يتطلب سنوات من العمل، لا تتطابق مع استعجال البعض إلى احتواء «داعش»، وهو ما تعجز عنه المعارضة السورية المسلحة. وإحياء «جبهة ثوار سوريا» وترئيس جمال معروف نواة الجيش المعتدل، يبدو رهاناً غير واقعي، نظراً إلى سلسلة الهزائم التي أصيبت بها هذه المجموعة في مواجهة «داعش» وخلافاته مع «جبهة النصرة»، والحرب المنتظرة بينهما في إدلب.
ولكن «داعش» لم ينتظر إعادة التشكيل، ويشتبه بأنه كان المسؤول عن هجوم اغتال فيه قيادات الصف الأول والثاني من «حركة أحرار الشام»، أكبر الفصائل المنتقلة حديثاً إلى المجلس العسكري التابع لـ«الجبهة الإسلامية»، ورأس «الاعتدال» الذي يتحدث عنه الأميركيون.
ومن الواضح أن الاستخبارت الأميركية ووزارتي الدفاع والخارجية، لا تدعم خيار عدم إرسال قوات برية وأجندة زمنية تتخطى وتفيض عن الولاية الحالية للرئيس أوباما، بحسب ما قال كيري، من أن «هذه المعركة قد تستغرق عاماً أو عامين أو ثلاثة أعوام».
وسبقت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية رئيسها بوضع سقف العمليات العسكرية عند تقديم دعم عسكري للعراق ووقف تدفق الجهاديين وإيجاد حل للأزمة الإنسانية، وهي كلها عناوين تندرج في إطار القرار الدولي 2170 ولا تتخطاه، وتجعل من الخطاب المنتظر لزوم ما لا يلزم إعلامياً.
وكان أول رد فعل روسي على تبلور التحالف ضد الإرهاب، هو اتهام الولايات المتحدة بالتخطيط لاستخدام التحالف وفرصة الغارات الجوية لتوجيه ضربات للجيش السوري، إلى عدم القيام بأية تدخلات خارجية إلا بعد الحصول على موافقة الحكومات المحلية.
واعتبر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن التحالف الدولي لا يمكن أن يكون فعالاً، بسبب قيامه على أساس مصالح مجموعة معينة من الدول والسعي إلى تحييد الخطر في منطقة واحدة دون أخرى. وقال لافروف إنه «لا يمكن محاربة الإرهاب في سوريا بالتوازي مع مطالبة الرئيس الأسد بالرحيل».
وبرغم المواقف الروسية المعلنة التي تضغط لإشراك سوريا في التحالف ضد الإرهاب، واعتبار الجيش السوري شريكاً شرعياً وضرورياً، تبدو الخيارات السورية محدودة في بناء «تحالف روسي إيراني سوري» ضد الإرهاب، يستند إلى مشاركة روسية في ضربات جوية ضد «داعش».
وبحسب مصادر سورية مطلعة، أجاب الروس سلباً على طلب سوري بدراسة المشاركة في العمليات الجوية تحت القرار الدولي 2170.
السفير