ليست المسألة داروينية ولا نتحدث عن بقاء الاصلح، بل في التعايش مع الآخر والقبول به والتعاون معه على مواجهة البيئة والحاضنة المحيطية.
ان اسقاط هذا المشهد على المسرح السياسي، يمكن ان يعطي مؤشرات عديدة على الانظمة المستقرة والاخرى الآيلة الى السقوط.. ومن هنا كان الكيان الصهيوني يصر على التطبيع بكل اشكاله، لأنه يدرك جيداً ان بقاءه في التعامل مع محيطه. والتجارب الحديثة كثيرة في هذا الصدد.
وقد تعمد بعض الانظمة السياسية الذكية ( او تلك التي تأتيها توصيات ذكية من الخارج) الى اجراء تعديلات على سياساتها وتغييرات اساسية فيها من خلال الاطاحة بحكومة والاتيان بأخرى، كما هي اللعبة الديمقراطية والانتخابات التي تعتبر تطبيقاً لقاعدة انسجام النظام السياسي مع البيئة والحاضنة، او ما يعبر عنه بالاستجابة الى اصوات الناخبين او قرار الشعب في تعيين مصيره…
بعض الانظمة المتخشبة وغير المرنة ( المتخلفة) لن تجد في عملية الاستمرار والبقاء سوى سبيل الانقلابات ( الدموية او البيضاء) والتي لا اتصور اننا بحاجة الى بيانها لان شرقنا الاوسط يعج بالامثلة عليها والتجارب التي مررنا بها كثيرة في هذا الصدد كثيرة للغاية..
أما السؤال الذي اود طرحه هنا فيما يتعلق بالنظام السعودي وبيئته، فهو: هل النظام لسعودي منسجم مع بيئته الداخلية والاقليمية ام انه على وشك الرحيل او الترحيل؟
وللاجابة على هذا السؤال، أشير فقط الى بعض النقاط واترك الحكم للقارئ اللبيب:
1 ـ تناقضات داخلية متعددة تبدأ من اشكالية العلاقة بين الدين والدولة، الى المنظومة العشائرية المتنازعة، حتى قهر الاقليات المذهبية والتأرجح بين خطابات متعددة ( دينية متحجرة وقومية وليبرالية وعشائرية).
2 ـ السخط الشعبي من النظام، والدليل فيما فجرته ويكيليكس عن الشيخ محمد بن زايد ولي عهد ابو ظبي الذي يقول للاميركيين بأن 90% من الشعب السعودي كان ينتظر من الاميركيين تخليصه من حكومته بعد اسقاط نظام صدام حسين في 2003!!
3 ـ النزاعات الموجودة بين السعودية وباقي بلدان مجلس التعاون الخليجي:
عمان ترفظ مشروع الاتحاد وتهدد بالانسحاب،
السعودية تهدد قطر مؤخراً بأقصاءها عن المنظومة الخليجية!
الامارات تقول ان السعودية تحتل 4000 كيلو متر مربع من اراضيها وتسرق ثرواتها في حقل الشيبة وتصدر اليها والى سائر بلدان العالم الفكر الوهابي السعودي القذر ( حسب تعبير الكاتب الاماراتي سالم الحميد).
الكويت حكومة وشعبا ( ما عدى السلفيين المرتبطين بالوهابية السعودية عضويا) ترفض الاتحاد مع السعودية وتعتبر ذلك تراجعا وعودة الى الوراء.
غالبية الشعب البحريني يرفض السعودية واحتلالها للبحرين.
ولم يبق مع النظام السعودي سوى حكومة البحرين “الديمقراطية”!!
4 ـ وبالنسبة لمحيطها العربي فالوضع اكثر تناقضا وعداءا:
اليمن، اغلب القوى ليست على وفاق مع السعودية، كالحراك الجنوبي والحوثيين وشباب التغيير الذين قادوا مظاهرات الاحتجاج في صنعاء وباقي المدن لتغيير نظام صالح المتحالف مع المملكة السعودية.
العراق: عدو المملكة اللدود والمتهمة الرئيسية بالارهاب فيه.
سوريا: التي ترى ان كل الارهاب والمجازر تأتيها من الثلاثي السعودي القطري، التركي والسعودي، وان السعودية اشد اعداء الشعب السوري.
لبنان: الاغلبية على خلاف مع السعودية، باستثناء تيار المستقبل والسلفيين والقوات اللبنانية (جعجع).
فلسطين: حماس والجهاد والجبهة الشعبية وفتح الانتفاضة والقيادة العامة والمجلس الثوري!!
السودان: جميع التيارات والاحزاب العلمانية والصوفية.
الجزائر وتونس الاخوانية والعلمانيين.
مصر: الاخوان والليبراليين والصوفية (بأستثناء العسكر والفلول).
الاردن: الاخوان والقوى القومية واليسارية، وهي كثيرة وفاعلة في الساحة العربية.
5 ـ اما المحيط الاقليمي، فبأستثناء الكيان الاسرائيلي الذي بدأ يتحدث الى العلن مؤخراً عن التحالف مع السعودية لمواجهة الخطر الايراني، تواجه السعودية رفضاً شديداً لسياساتها الارهابية من قبل ايران، كما انها لن تكون على وفاق مع تركيا بعد ان شارك السعوديون في عملية الاطاحة بحكم الاخوان في مصر والذين يعتبرون حلفاء لتركيا الاردوغانية.
وبالنهاية، مثل هذا النظام من الصعب ان يستمر، خاصة وانه يفتقد لآليات التغيير الديمقراطية ولا يوجد امامه سوى انقلاب الجيش(وهذا مستبعد لاسباب لا مجال لذكرها هنا) او انقلاب القصر ومؤامرات الامراء وهو ممكن، او ان يأتي التغيير بدفعة من الخارج، وهو مرجح..
فهل ستسير الامور هذه المرة عكس الاتجاه الدولي العام والسياق التاريخي، يعني بعبارة اوضح: هل سيلعب “بوتين” مع السعودية دور ” جورج بوش الابن” مع العراق في 2003؟!
وان صح ما نقل من تهديد بوتين بضرب الرياض وتغيير خارطة الشرق الاوسط، فأننا على اعتاب عاصفة صحراء وقائمة مطلوبين طويلة من امراء سعوديين وشيوخ وهابيين..
لكن هذه العاصفة او حرب تحرير السعودية!! ستحتاج الى برج تجارة روسي، فهل ستوفر الالعاب الشتوية في “سوتشي” الغطاء اللازم لذلك، خاصة وان بن لادن الشيشان هدد بضرب الالعاب الشيطانية!!
فهل ستقع السعودية في الشراك المنصوبة ام انها ستقبل بتفكيك اسلحة الدمار الشامل الوهابية التي تمتلكها؟!
بقلم: علاء الرضائي