عمامةٌ صنعت أجيالاً ونصراً لا كلماتٍ مرتبكةً
كتب محمد طراف *
كنتُ أعتقد أنّني، وأقلّه في المدى المنظور، لست بحاجة لأكتب مجدّداً في موضوع السيّد فضل الله والحالة التي بات يعرفها القاصي والداني، والتي امتدّت قرابة خمس عشرة سنة من حياة السيّد فضل الله، وعشر أُخَر بعد وفاته، وهي ستستمر، بغضّ النظر عن استِعارها أو خمودها…
وهذا ما نحن بصدده اليوم، وكأنّي بهم واحداً تلو الآخر يسقطون على طريق سلكه قبلهم كثيرون فطواهم التاريخ إلى غير رجعة. وعلى مذبح ممّا لا تُحمد عُقباه. فلا تُذكر لهم مأثرة، وإنْ ذُكِروا فلأجل إثارة الفتن ليس إلا…
طالعنا بالأمس أحدُهم، متّخذاً صفة تخولّه تصنيف الناس أو كتابة تاريخ لبنان وحركاته المقاومة، مقسّماً إياه، كما ارتأى، أصنافاً هرمية ومراحل زمنيّة كما يحلو له، وأعاد الكرّة غير مرّة في تعداد من صنع هذا التاريخ، متعمِّداً التعامي عن ذِكر ليس من صنع هذه الحالة الجهادية الثورية المقاومة في لبنان فحسب، وإنّما الحالة الشيعيّة الحديثة فكراً وثقافةً وفقهاً وحركةً وإنسانيّة شاملة، كما حركات المقاومة والتحرّر في العالمَين العربي والإسلامي، على الرغم من العواصف والقواصف كلّها. ورغم الترغيب والترهيب كلّه والتفجيرات ومحاولات الاغتيالات. فحبّذا لو كان طالعنا ببعض التفاصيل المتعلّقة ببعض الشخصيات التي ذَكَرَ وكيف أثّرت وأين، وما هو فضلُها البيّن؟!! ولكن هيهات هيهات، ليس من على منابر الصحف وأوراقها، وليس ببعض الحبر يُلغى التاريخ، أو يُراق عصير العمر فيذهب جفاءً، ولا بعضُ الكلمات المرتبكة يُمكن أن تقوم مقام قامات فكرية، ولا أسطر كُتبت لغايات وغايات تمحو عطاء عمر وجهد سنين طوال وجهاد. فالعلم ليس سياسة، وإن حاولوا مزجهما، العلم علم، والجهاد جهاد، والفكر فكر، أما السياسة فليست من شغلنا ولا دأبنا. وقد رأينا أين بدأت وأين انتهت بأهلها.
تاريخ السيّد فضل الله كُتِب بفضل الله، وفكره كان لله، وعطاؤه للحياة، ومقاومته كانت لأجل الإنسان، الإنسان كلّه، الباحث عن الله وعن الحرية، حرية الفكر أولاً، وحرية الإرادة، وحريّة الأوطان. فقد كان في حقبة السيّد فضل الله عمائمُ حرة اصطبغت بالدم في سبيل ما تؤمن به، ومضت على درب الشهادة والجهاد، صنع فكرَها وروحَها وعقيدتها السيّد فضل الله، فنحمد الله أنّه لم تكن توجد آنذاك عمائم تمتهن السياسة ولا شيء غيرها، وإلا لَما كنا وصلنا لا إلى التحرير ولا إلى الحريّة…
نعم، أعِد قراءة التاريخ، وانزع عن ناظريك الغشاوات، واخلع نعليك فإنّك على أعتاب الكهف الحصين، وفي حِمى السدّ المنيع، وتحت ظل المرشد الحكيم…
هل قرأت هذا يوماً؟! إن كنتَ قرأتَهُ فتلك مصيبة، وإن لم تكن قد قرأتَه فالمصيبة أعظمُ.
والله من وراء القصد
*مدير التحرير في المركز الإسلامي الثقافي
الوسومنهج السيد
شاهد أيضاً
في رثاء الحاج طلال شرارة (أبو علي)
قم أيها الحبيب! رد هذا التراب عن وجهك وحدثنا فنحن لم نودعك كما الزوجة والأبناء …