علمني السيد

كباقي أترابنا ولدنا وكبرنا في المجتمع اللبناني المحروم والمستضعف سابقا وحاضرا ولعله مستقبلاً.

ينشأ الواحد منا وبين يديه ومن خلفه سلسلة من الصعاب تكوي بنيته الفكرية والنفسية والخُلقية بعد الخَلقية.

لا دولة ترعى وتنظم حال الناس في مختلف المجالات في ظل ضياع الرادع الخلقي والفقه الديني والسلوكي الداخلي عند معظم أفراد المجتمع.

مجتمع متحلل يقوده مُدَّعو عصمة لم يفقهوا من معناها شيئا.

عُرفُ تعاملٍ مجتمعي عام قائم على النفاق والسمسرة والتجارة وعلى كل المستويات لا سيما منها التربوية والإدارية وحتى الدينية!

في غمرة كل هذا وما أصعبه إذا ما حاولنا جمعه في صورة واحدة ومع تلمس بداية عمر وبداية وعي ومع الإطلالات الأولى من عالم التربية المنزلية الضيقة إلى عالم المجتمع الأوسع. ومع هيجان كوارث المجتمع الواردة أعلاه وقبل أن تبتلعني موجاته المتلاحقة إمتد طيف من سماحة المرجع رضوان الله عليه ليرسم طريق خير فوق كل هذه الشرور والشرذمات المنتشرة هنا وهناك.

كانت البدايات عبر أشرطة كاسيت حملت بعضا من خطب سماحته والتي كان بعض الأخوة يتناقلونها كمن يتناقل كنزا وهو كذلك. حتى أني احتكرت كما من هذه الكاسيتات والتي ما زلت أحتفظ فيها حتى هذا اليوم.

الدرس الأول مع السيد كان في أن لا حرمات في النقاش والحوار. كل ما بين أيدينا قابل للسؤال. الناس سواسية ويمكن لأي إنسان أن يسأل أي إنسان آخر في أي موضوع. والأبرز في السيد أنه من رافعي شعار أنا أطبق أي أمر على نفسي قبل أن أدعو الناس إليه. كان السيد يناقش والده العالم في كنه وجود الخالق دون أي حرج.

يأتي بعد ذلك في دروس السيد دور العقل. ذلك الكائن العظيم والذي يجب أن يكون مصدر تحكم وحركة الإنسان في الحياة. هذا العقل المصقول على الهداية والإيمان والذي يعطي للإنسان حريته في دروب الحياة فلا يأسر نفسه لقريب أو زعيم أو صاحب جاه أو سلطة أو حزب أو حركة بل يكون إنسان الحياة ومالكها بكل ما فيها. لا بل يكون الرائد فيها لما فيه الصواب والخير والعدل.

أن تعيش مع السيد ووعيه هو أن تحيا مع الله وكأنك تراه. الله القائم والقريب السميع البصير القاهر المدبر الحنان المنان الذي يحضر معك في كل ما أنت فاعله ومفكر فيه أو ناوٍ عليه. علمنا السيد أن العلاقة مع الله هي علاقة مباشرة بلا وسيط. أنا كإنسان أخاطب ربي دون حاجة إلى شيخ أو سيد أو ولي أو إمام ولا حتى نبي. أنا وإن كنت أشكر كل هؤلاء لما حملوه لي من علم الله وأحفظ جميلهم، فإني إذا ما أردت مخاطبة ربي أو طلب شيء منه أو شكره أو حمده فإني أتوجه إليه مباشرة ودون تكلف. علمني السيد كيف أكون صديقا لله.

علمني السيد أدب مخاطبة الله. أنظروا إلى السيد يقرأ دعاء كميل في مسجد الحسنين عليهما السلام. هناك في بيت الله تحضر. ترتمي في حضرة الخالق. رجلا لإلاه. تتعبده تعشقه تفرح به تذوب فيه تندم بين يديه تبكي في حضرته وتعيش عظيم الفرح بالجلوس بين يديه تستزيد منه في أمور حياتك وآخرتك وتجدد عهدك إليه وتخرج وروحك معلقة في فيء كرمه ورحمته.

أن تحيا السيد هو أن تحيا الإسلام المحمدي العلوي الحسني الحسيني الفاطمي الزينبي ومنهم الى المهدوي الموعود. إسلام التوحيد الذي يتعبد فيه الرسول للبارئ والذي يحفظ فيه علي جميل وعلم الرسول ليوصله لنا من بعده. والذي أهل البيت فيه هم خيرة عباد الله الذين يحملون علم الرسول.

مع السيد تعلمت معنى الإلتزام الديني. معنى أن تؤمن بالله. أن تعرف حدود حلاله وحرامه. أن تخطئ فتعرف كيف تعود عن خطئك وأن تعلم معنى أن الله تواب.

من السيد تعلمت كيف يجب علي أن أحافظ على جسدي الذي هو أمانة الله عندي. المثل الأرقى الذي أعطاه السيد في نفسه يوم توقف عن التدخين وذهب الى تحريمه ابتداء.

مع السيد عشنا طهر الرسول يتلقى الوحي ويبلغه للأمة. تذوقنا عليا يرث الأمة فيسترخص دونها المنصب لتبقى وتستمر. عرفنا حسنا حسينياً في حواره وحرصه وإمامته حتى شهادته. مع السيد ذبنا في الحسين ولياً وإماما يبذل المهج والأرواح في سبيل الحق والعدل.

علمنا السيد كيف نكون مقاومين نحترم الأطر القائمة دون نسلم لها بإختزال الفعل المقاوم في تركيباتها الضيقة.

علمنا السيد كيف نكون أحرارا أعزاء… وكفى.

نضال

شاهد أيضاً

في رثاء الحاج طلال شرارة (أبو علي)

قم أيها الحبيب! رد هذا التراب عن وجهك وحدثنا فنحن لم نودعك كما الزوجة والأبناء …