السؤال: شيخنا الفاضل بعد وفاة المَلك عبد الله بن عبد العزيز تناقل الكثيرون على مواقع التواصل الإجتماعي روايةً تفيد أنّ الإمام الصادق عليه السّلام قال: (من يضمن لي موت عبد الله أضمن له القائم). فهل هذه الرواية صحيحة أم لا ؟
الجواب : الظاهر أنّ المصدر الأصليّ والوحيد المسند المتوفّر لهذه الرواية بهذه الصياغة التي تحتوي على تسمية الرجل المتوفّى، هو كتاب الغيبة للشيخ الطوسي (460هـ)، فقد روى عن الفضل بن شاذان، عن عثمان بن عيسى، عن درست بن أبي منصور، عن عمّار بن مروان، عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: (من يضمن لي موت عبد الله أضمن له القائم)، ثم قال: (إذا مات عبد الله لم يجتمع الناس بعده على أحد ولم يتناه هذا الأمر دون صاحبكم إن شاء الله، ويذهب ملك السنين ويصير ملك الشهور والأيام)، فقلت: يطول ذلك؟ قال: (كلا). (الطوسي، الغيبة: 447، نشر مؤسّسة المعارف الإسلاميّة، إيران، تحقيق: الشيخ عباد الله الطهراني والشيخ علي أحمد ناصح، الطبعة الأولى، 1411هـ).
وقد ذكر قطب الدين الراوندي (573هـ)، مجموعة نصوص خالية من الإسناد عن الإمام عليه السلام كان هذا من ضمنها ومن غير البعيد كونه قد نقل مضمون رواية الطوسي في الغيبة، وممّا جاء: (من يضمن لي موت عبد الله، أضمن له القائم عليه السلام. [ثم قال: إذا مات عبد الله] لم يجتمع الناس بعده على أحد) (الخرائج والجرائح 3: 1163 ـ 1164).
وقد نقل هذه الرواية جماعة أيضاً عن مصدرها الأصلي حسب الظاهر منهم: صاحب (العدد القويّة: 77)، بلا سند، وبصيغة: (من يضمن لي موت عبد الله أضمن له قيام القائم، لا تجتمع الناس بعده على أحد). والحرّ العاملي (1104هـ) في كتابه (إثبات الهداة 3 : 728)، نقلاً عن الطوسي، وكذلك العلامة المجلسي (1111هـ) في (بحار الأنوار 52: 210)، عن الطوسي أيضاً، ويبدو أنّه قد سها قلم الشيخ علي الكوراني حفظه الله عندما ذكر في (معجم أحاديث الإمام المهدي 3: 446)، أنّ المجلسي نقل الرواية عن النعماني، فإنّ الموجود في مطبوع البحار اليوم هو نقله لها عن الطوسي وليس النعماني والله العالم. كما نقلت الرواية في كتاب بشارة الإسلام عن غيبة الطوسي أيضاً وغيرها من المصادر والمراجع المتأخّرة.
أمّا السند، فكافّة المصادر ـ غير غيبة الطوسي ـ أوردت الرواية مرسلةً أو منقولة عن غيبة الطوسي، أمّا غيبة الطوسي فقد رواها عن الفضل بن شاذان، وطريق الشيخ الطوسي في الفهرست إلى الفضل بن شاذان ضعيف ـ كما صرّح به السيد الخوئي ـ إذ تارةً فيه علي بن محمّد بن قتيبة، وأخرى فيه حمزة بن محمّد وآخرون ممّن لم تثبت وثاقتهم، نعم طريق الشيخ الطوسي في المشيخة إلى الفضل بن شاذان معتبر على المشهور، لكنّ الجزم بأنّه استخدم هذا الطريق في هذه الرواية غير واضح؛ لأنّ طرقه في المشيخة عادةً ما تكون طرقاً له إلى ما رواه في التهذيب والاستبصار، لا إلى مطلق ما رواه عن الراوي ولو في كتابٍ آخر غيرهما ككتاب الغيبة. بل نحتمل جدّاً أنّ طريقه في كتاب الغيبة إلى الفضل بن شاذان هو طريقه إليه في الفهرست، وهو الطريق الضعيف، وذلك أنّه قد روى الطوسي في الغيبة عن الفضل بن شاذان ـ مكرّراً ومراراً ـ بطريقٍ فيه علي بن محمّد بن قتيبة الذي لم تثبت وثاقته على المعروف (انظر ـ على سبيل المثال ـ: الغيبة: 161، 162، 163، 177، 185، 187، 189، 190، 332، 335، 336، 337، وغير ذلك). هذا وفي السند درست بن أبي منصور الواسطي وكثير من العلماء يوثقه، وبعضهم لا يقبل التوثيق.
وإذا كان هذا هو نصّ الرواية ولم يسقط الراوي شيئاً هنا ولو سهواً، فإنّ الرواية قد تبدو غريبة، وذلك أنّ الإمام يتكلّم عن شخص اسمه عبد الله ويقول للناس بأنّ من يخبره بموته يضمن له القائم، وهنا إمّا أن يكون عبد الله هذا شخصاً محدّداً كان معاصراً لزمن الإمام وزمن صدور هذه الرواية أو يكون شخصاً آخر قد يأتي في قادم الأزمان، فعلى الاحتمال الأوّل يبطل التعاطي مع هذه الرواية اليوم؛ لأنّ المفروض أنّ عبد الله هذا قد مات في تلك الأيّام ومع ذلك لم تحصل حالة ظهور الإمام المهدي، فإمّا تكون الرواية موضوعة، أو يكون قد حصل البداء فيها من حيث كونها من العلامات غير الحتميّة بناء على صحّة هذه النظريّة، وهناك احتمالات متعدّدة في تطبيق هذا الاسم على أحد في العصر العباسي، فقد كان أبو جعفر المنصور (158هـ) معاصراً للإمام الصادق ـ صاحب هذه الرواية هنا ـ وكان يحمل هذا الاسم وهو عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب، وكذلك السفّاح (136هـ)، الذي عاصره الإمام الصادق، حيث كان اسمه عبد الله بن محمد بن علي أيضاً. وحاول بعضهم تطبيق الرواية على المستعصم العباسي الذي كان آخر الملوك العباسيين وكان اسمه أيضاً عبد الله.
وأمّا إذا اُريد مطلق شخص يأتي في قادم الزمان فنسأل: عندما قال الإمام هذه الجملة ولم يكن هناك شخص حينها بهذا الاسم يحكم هنا أو هناك، فلماذا لم يسأله الراوي عن عبد الله هذا، ويقول له ما اسمه وما صفته ومن يكون؟ أليس هذا أمراً أو سؤالاً منطقيّاً؟
أمّا تطبيق هذه الرواية أو غيرها على الواقع اليوم فقد سبق أن تحدّثنا عنه، وعن المنهج الصحيح فيه وفق ما يبدو لنا، ولا اُريد أن أخوض في هذا الجدل القائم، لكن نصيحتي لنفسي ولعموم إخوتي المؤمنين أن نتريّث كثيراً في هذه الأمور، ولا نشغل الساحة بها بعد أن أثبتت هذه الطريقة التطبيقية فشلها في مرات كثيرة، وسننظر وننتظر ونتربّص لنرى هل ستنجح التطبيقات هذه المرّة أم لا؟ والله أعلم وأحكم.
هذا ولابدّ لي أن أشير إلى أنّ الناس تتداول مجموعة من الروايات تنسبها إلى مسند أحمد بن حنبل وغيره وقد بحثت عنها كثيراً فلم أجد شيئاً، والغريب أنّ بعضهم يتحدّث عن أنها مُسقَطَة من المسند ولكنّه لا يقيم دليلاً، ولعلّ لديه دليلاً لم نعثر عليه أو حظي بنسخة لم نرها والله العالم، وعلينا التنبّه جميعاً لتداول مرويات قد تكون مختلقة اليوم وليس في القرون الغابرة فقط ..
صفحة الشيخ أسامة العتابي