طلال سلمان
نشر هذا المقال في جريدة السفير بتاريخ 2016-12-19 على الصفحة رقم 1 – الصفحة الأولى
في عصر الهزيمة العربية الشاملة، سياسياً وعسكرياً واجتماعياً وثقافياً، يصبح «تحرير حلب» من سيطرة العصابات التكفيرية المسلحة، أمثال «داعش» و «جبهة النصرة» وغيرهما من مستولدات «القاعدة» إنجازاً تاريخياً!..
بالمقابل يصبح إنجاز أول حكومة جديدة في «العهد الجديد» شكلاً العتيق مضموناً، حدثاً تاريخياً باهراً يستوجب الاحتفال وإقامة حلقات الدبكة وحفلات الزجل وإطلاق النار في الهواء، وإن أصاب الرصاص الطائش بعض العابرين المثقلين بهموم حياتهم بحيث لا يعنيهم مثل هذا الحدث الخطير الذي سيحوّل المجهول معلوماً والنكرات إلى «أصحاب المعالي»..
اكتمل نصاب «الدولة» التي يمنع نظامها الفريد قيامها فعلاً، وإن ظلت طبقتها السياسية حريصة على استكمال الشكل، كلما أمكن، ولو بقليل أو كثير من التأخير، وبتمديد واحد أو ثان وربما ثالث في مؤسسة التشريع… فأن يحكم الفراغ فيفاقم الفساد الذي يشارك فيه الجميع من دون الخشية من حساب أو عقاب، أفضل من تحديد المسؤوليات وإدانة المرتكبين الذين يشكلون مجلس إدارة الفساد في وطن الأرز.
… وتسألون عن الدولة؟! انظروا، بداية، من حولكم ودلونا على دولة كالتي تقرأون عنها أو تشاهدون انتخاباتها الرئاسية بكل الفضائح الجنسية والمالية لمسؤوليها، بدءاً من أميركا العظمى إلى بريطانيا التي خسرت عظمتها، إلى فرنسا التي تكاد مراكز الحكم فيها تتحول إلى «غارسونيرات» وأوكار اختلاس وصفقات مشبوهة، وإلى إيطاليا الجميلة التي حكمها ذات يوم رئيس حكومة لا يعرف عدد عشيقاته والذي استقبل جمال القذافي بالنشيد الوطني..
كل ما يجري في لبنان طبيعي.. فلماذا تستهجنون أن يكون الوزير لصاً، وأن يكون النائب واحداً من «الهتيفة» يمثل ضمير الشعب، وأن يدخل الأصهار والأقارب والأنسباء المخلصون نعيم الحكم؟ أليس لكل دولة رجالها وحاشيتها وبطانتها ومستودع أسرارها؟
حلب الشهباء كانت تحت احتلال العصابات المسلحة، وقد اضطر وضعها الحرج ان يشارك في تحريرها واستعادتها مثخنة بالجراح، إضافة إلى الجيش العربي السوري، من جاء من الخارج البعيد والقريب، كروسيا وإيران والعراق ولبنان، حتى لا يتمكن الإرهاب من تدميرها بتاريخها المضيء كأعرق مدينة على وجه الأرض وأغنى ديوان شعر يختال فيه المتنبي أمام سيف الدولة هازم الصليبيين وباني قلعتها التي استعصت على أبي فراس الحمداني فوقف دونها ينادي حبيبته الأميرة فلا تسمعه، فيحوّل شعره إلى رثاء للعشاق والمغرمين؟!
… وبيروت الأميرة خرجت من أيدي أهلها لتتحول إلى سوق لمن يملكون الذهب يشترون أرضها وبحرها وسماءها، وإلى ملاه ومقاه وعلب ليل وقد كانت معرض الأفكار ومنبر الشعر والكلمات التي تقتل العتمة وتضيء الطريق إلى المستقبل.
هو رئيس جديد ـ قديم. وهي حكومة جديدة ـ قديمة. ومجلس قديم قديم ـ وإدارة تدار من خارجها.. في بلد جميل يراد تحويله إلى مركز للربا ووكر مخدات ودار استراحة للمرابين وطلاب اللذة ومستوردي مغني جلسات السمر بالراقصات العرايا، مقدمي جوائز الثقافة شعراً ونثراً ورواية، مصادري موقع لبنان الإشعاع بعدما أطفأت طبقته السياسية مصابيحه ومفكريه ومبدعيه فهجرت معظمهم ممن رفضوا بيع أقلامهم وعرض نتاجهم الفكري والأدبي في سوق النخاسة..
يطلقون الوعود كبالونات ملونة في أعياد الميلاد تبهرج الجو للحظة من دون أن تغيّر المضمون.. فالأعياد مرتهنة للمصارف، والفرح غادر البلاد مع شبانه الذين لم يجدوا مستقبلهم فيه فهجوا إلى حيث يبيعون شهاداتهم المكتوبة، بعرق جباه آبائهم وذهب أساور أمهاتهم، وهم ـ على الأرجح ـ لن يعودوا، حارمين بلادهم من كفاءاتهم التي تحتاجها لبناء مستقبلها.
العهد جديد بدليل أن سيدة قد أدخلت الحكومة، خلسة، لعلها تجبر زملاءها أصحاب المعالي على تهذيب كلماتهم التي تخدش الحياء الوطني، والتستر على ارتكاباتهم التي لا تجسد من يحاسب عليها.
وإنه لإنجاز تاريخي: فلقد تم تشكيل الحكومة بسرعة قياسية، وبعد جلسات مقاصة وإعادة توزيع المغانم، واستنقاذ ماء وجه العهد الجديد بإعطائه كوتا وزارية حرزانة مقابل استرضاء بعض الذين سبقوا إلى مناصرته فباعهم قبل صياح الديك..
هي حكومة. مجرد حكومة في قصر الفراغ محروق المدخل، ستمثل أمام مجلس النواب المغلق على الفراغ، لتسلي الشعب عن أحزانه وتعده بما لا تستطيع إنجازه وان توزع جيش وزرائها ألقاب أصحاب الدولة والمعالي «لتحرير» ما تبقى من ثروة البلاد والعباد.
عشتم وعاش لبنان!
السفير