سبُّ الأيام والزمان والريح
الزمان والعصر أو العمر المؤلف من ساعات وأيام وشهور وسنين هو نعمة كبرى وآية من آيات الله تعالى، وعلينا أن نملأها بالعمل النافع والصالح، وقد أقسم الله تعالى به في كتابه ليبيّن لنا أهمّيته، فقال عزّ مَنْ قائل: {وَالْعَصْرِ}، وقال: {وَالْفَجْرِ* وَلَيَالٍ عَشْرٍ}، إلا أنّ الإنسان الجهول وبدل أن يملأ زمانه وعمره القصير عِلْماً وحركة ونشاطاً، يحاول الهروب منه ويملّه ويشتمه ويتشاءم من بعض أيامه.
وهكذا يدخل البعض منّا في عملية سبِّ وشتم لكثير من مخلوقات الله، فيسبّ الريح عندما تؤذي زرعه وبستانه مع أنّها تحمل بشائر الخير للناس جميعاً، قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ}[الأعراف: 57]، ويسبُّ الشمس التي قد تؤذيه بحرارتها في بعض الأحيان متناسياً أنّها تمدّه بالضياء والنور {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُوراً..}[يونس: 5]، وبدونها لن ينعم لا هو ولا غيره بالحياة إطلاقاً، وهكذا فإنّه يَسبُّ ويَسبُّ في مخلوقات الله الأخرى وهو يتنعّم بها ويستفيد منها، فما أجهل هذا الإنسان وأغباه!
قال النبي (ص)- فيما رُوِي عنه-: “لا تسبّوا الريح فإنّها من روح الله تأتي بالرحمة والعذاب، ولكن سلوا الله من خيرها، وتعوّذوا من شرّها”.
وقد ورد في الحديث عن الإمام الصادق (ع): “لا تسبّوا الرياح فإنّها مأمورة ولا تسبّوا الجبال ولا الساعات ولا الأيام ولا الليالي فتأثموا وترجع عليكم”[22]. وعن أبي الحسن الهادي (ع): “أنّ رجلاً نكبت إصبعه، وتلقّاه راكب فصدم كتفه، ودخل في زحمة فخرقوا ثيابه، فقال: كفاني الله شرّك فما أشأمك من يوم! فقال أبو الحسن: “هذا وأنت تغشانا (تتردّد علينا)! ترمي بذنبك مَنْ لا ذنب له، ما ذنب الأيام حتى صرتم تشأمون بها إذا جوزيتم بأعمالكم فيها! فقال الرجل: أنا أستغفر الله، فقال (ع): والله ما ينفعكم ولكن الله يعاقبكم بذمّها على ما لا ذمّ عليها فيه، أما علمت أنَّ الله هو المثيب والمعاقب والمجازي بالأعمال فلا تعد ولا تجعل للأيام صنعاً في حكم الله”.
وعن رسول الله (ص): “مَنْ قال: قبح الله الدنيا، قالت الدنيا: قبح الله أعصانا للربّ”، وعن بعض الأئمة (ع): “لا تسبّوا الدنيا فنعم المطية الدنيا للمؤمن، عليها يبلغ الخير وبها ينجو من الشرّ، إنّه إذا قال العبد: لَعَنَ الله الدنيا، قالت الدنيا: لَعَن الله أعصانا لربه”.
الشيخ حسين الخشن