A+A-لينا فخر الدين –
في 21 آب الماضي، أوقفت القوى الأمنيّة أسامة محمود العسالي كونه موضوع بلاغ توقيف. ومن مفرزة زحلة القضائية وبناءً لإشارة القضاء المختص، أحيل هذا المواطن السوري إلى الأمن العام، ليتبيّن أن اسمه وارد في العديد من إفادات الموقوفين السوريين واللبنانيين، قبل أن يتمّ التحقيق معه في مركز الأمن ثمّ إحالته إلى مديرية المخابرات في الجيش اللبنانيّ.
لم يكن ابن الـ49 عاماً مطلوباً عادياً، وإنّما المعلومات المتوافرة عن قائد «كتيبة شهداء يبرود» والمقرّب من «جبهة النصرة» بأنّه كان ناشطاً في مجال تصنيع المتفجّرات وتفخيخ السيارات في سوريا وإرسال بعضها إلى لبنان وتحديداً من منطقة وادي حميد في جرود عرسال، فيما كان يتلقّى الدعم من السوري الموقوف في بلاده أبو أنس النبكي.
يشي اقتفاء ماضي الرجل و «بروفيله» بأنّ هذه الإفادات قريبة من الحقيقة، كون العسالي تخرّج بصفة مهندس ميكانيك عام 1991. والتحق بالخدمة الإلزامية برتبة ملازم مجنّد ليتلقى دورة تدريبية حول كيفيّة تشغيل واستخدام الصواريخ المضادة للطائرات.
اتهامه بانتمائه لـ «الإخوان المسلمين» جعله يخسر عمله كمهندس في «مركز هاتف يبرود»، ليفتتح مكتبا خاصا به لهندسة الميكانيك ومعملا للالمنيوم في مسقط رأسه.
قاتل العسالي الجيش السوري و «حزب الله» في يبرود، وأشرف أيضاً على عملية حفر خنادق في المنطقة. وبعد قتاله الجيش السوري وسقوط يبرود لاذ بالفرار من مسقط رأسه مع مجموعته (حوالي 100 عنصر وفق إفادة زوجته)، شأنه شأن رؤساء المجموعات الذين قرروا الهرب تاركين أسلحتهم وعناصرهم ليؤمنوا لأنفسهم مخرجاً سالماً.
تذرّع رئيس «كتيبة شهداء يبرود» بمرض القلب الذي أصابه وبالخلافات التي تنشب دوماً بين المجموعات المسلّحة في الجرود، ليتوجّه إلى حوش العرب في القلمون، حيث أوصل رئيس «الهيئة الشرعيّة ليبرود» عبد النبي رومية (يتردّد أنه موجود حالياً في البقاع)، ومنها إلى عسّال الورد، ثم عرسال التي بقي فيها حوالي الأسبوع والتقى خلالها عدداً من المقاتلين الذين كانوا يأتمرون بإمرته.
وبعد حوالي الشهر، لم يجد «أبو خالد» (أسامة العسالي) مخرجاً إلا بتسوية أوضاعه مع زوجته وأولاده الخمسة. استقرّ الرّجل في مجدل عنجر، ليعود ويتواصل مع عدد من الأرقام المستخدمة من قبل منتمين إلى جماعات إرهابيّة.
أقام العسالي في الأراضي اللبنانية لأكثر من سنة ونصف، إلى أن تمّ توقيفه. وسريعاً، اعترف بأنّه كان يملك مقرّين عسكريين، ومصنعين لتصنيع العبوات الناسفة والقذائف: الأوّل، بالشراكة مع السوري تميم اللي قرب مزارع سكفتا (القلمون)، ومصنع ثانٍ خاص به في المزارع مؤلف من 5 طوابق ويعمل فيه عدد من العمّال المتخصصين في مجال الخراطة والحدادة وإعداد حشوة المتفجّرات. وقد وقع انفجار في معمله في العام 2012 نتيجة خطأ تقني بإحدى العبوات الناسفة، ما أدى إلى مقتل عدد من العمّال.
كذلك، فإنّ العسّالي، بحسب إفادة أحد الموقوفين، كان يملك مستودعاً ضخماً من المتفجّرات في فندق غير مكتمل البناء في منطقة دوار الجرة قرب جبال مار مارون وقد دمّره لاحقاً الطيران السوري، ما سبب انفجارا كبيرا بداخله.
وكان العسالي يؤمّن بعض المواد الأوليّة لصناعة المتفجّرات من عرسال عبر السوري عماد خلوف، وهي عبارة عن سماد زراعي لازودي لونه بني يتمّ تحميصه وبارود وسكّر مطحون وأسلاك كهربائية وعلب بلاستيك وبعض المواد المتفجّرة مزوّدة بأجهزة تفجير عن بُعد، بحسب إفادته وإفادة زوجته.
كذلك كان مصنعه يعدّ يومياً صواريخ بمدى 3 كلم يحتفظ بها لمجموعته وقذائف هاون من عيار 120 ملم يبيعها إلى المجموعات المسلّحة.
أمّا عن مصدر تمويله، فأقرّ الموقوف بأنّ المموّل الرئيسي لكتيبته هو السوري جورج ح. (المنسق الأساسي لاحتجاز راهبات معلولا في بناء خاص به والمنسّق أيضاً للإفراج عنهنّ، وفق إفادة العسالي)، بالإضافة الى دولة قطر عبر «جمعيّة أهل الخير» وجمعيّة أخرى تحمل اسم «بيت المونة» مدعومة من أشخاص سوريين يقيمون في السعودية، بالإضافة إلى عائلات ميسورة في يبرود.
وبرغم تأكيد عدد من الموقوفين السوريين (الذين تمّت مواجهتهم مع الموقوف في مركز الأمن العام) أنّ العسالي كان على علاقة بعدد من السيّارات المفخّخة التي دخلت لبنان، بالإضافة إلى اعترافه بأنّه كان يقف خلف تفجير العديد من السيارات المفخّخة في الداخل السوري كوضع سيارة مفخّخة في سوق يبرود وتفجير الحاجز العسكري للجيش السوري (أواخر العام 2012) وتفجير حاجز الحلاب الذي نُفّذ بواسطة سيارة يقودها انتحاري تابع لـ «النصرة».. إلا أنّ العسالي بقي على نفيه أن يكون على علاقة بتجهيز السيارات المفخّخة التي كانت تدخل إلى لبنان.
وادّعى أنّه كان باستطاعته العمل في مجال التفخيخ الذي عُرض عليه مقابل قبض أموال طائلة من السوري عمار خلوف (الذي كان يؤمّن له المواد الأولية) ورابطة السوريين المقيمين في مدينة الدمام السعوديّة.
ومع ذلك، بقيت علامات الاستفهام ترسم حول مسألة تورّطه في تفخيخ السيارات التي عبرت إلى لبنان، خصوصاً أنّه أقرّ بأنّ هذه العمليات كانت تتمّ بالتنسيق معه ومع «النصرة» (التي كانت تملك مصنعاً لتصنيع العبوات الناسفة في مجر رأس العين) و «كتائب النور» و «كتيبة صالح خضرا» (مصنع عبواتها في مزارع ريما).
وللعسالي علاقات قويّة برؤساء المجموعات الإرهابيّة وعدد من الانتحاريين. فقد أقرّ بأنّه كان داعماً مادياً أساسياً للسوري فراس فواز قاسم المقلّب بـ «أبو جعفر القسطلي» قبل أن ينتقل إلى «النصرة» (خلال حزيران 2013) ويصبح رئيس مجموعة متخصّصة بتفخيخ السيارات استهدفها «حزب الله» في آذار 2014 من خلال تفجير العبوات التي صنّعوها من دون أن إصابة «القسطلي».
كذلك تردّد أنّه تمّ رصد «القسطلي» في محيط السفارة الإيرانية في بيروت في تشرين الثاني 2013، قبيل وقوع التفجير في محيطها. وإذ أعطى العسالي مواصفات ابن الـ36 عاماً، نفى علمه بتفجير السفارة الإيرانية.
وليس «القسطلي» وحيداً على لائحة علاقات رئيس «كتيبة شهداء يبرود» سابقاً، بل إن للأخير شبكة علاقات مع الإرهابيين، وحتى أنّه شارك في مفاوضات إطلاق سراح راهبات معلولا والتقى في حينه أمير «النصرة» في القلمون أبو مالك التلي أكثر من مرة بهدف حلّ مشاكل يبرود والتنسيق في المعارك القتاليّة ضدّ الجيش السوري و «حزب الله».
كما سلّمه أيضاً لائحة بأسماء خمسة معتقلين من يبرود في السجون السوريّة لمبادلتهم بالراهبات، قبل أن يتقدّم بكتاب مساءلة للتلي بعد إطلاق سراح الراهبات من دون المعتقلين الخمسة، ليبرر الأخير الأمر بأنه «تعرّض للخيانة من قبل النظام السوري».
السفير