قبل الوصول الى الاثنين المقبل، اليوم الـ30 من المهلة الدستورية، يقتضي انجاز البيان الوزاري واقراره. صيغة تذليل التناقض جاهزة، لكنها تحتاج الى التوافق. ربما اليوم. بيد ان المهم فيها انها مطاطة. لا تحتمل اكثر من تفسير وتأويل، بل اكثر من باب لتكريس المقاومة
نقولا ناصيف
خلاصتان مستقاتان من ثلاث من الحكومات الاربع المتعاقبة في عهد الرئيس ميشال سليمان وثيقة الصلة بالبيان الوزاري، تقلّلان وزر ما قيل ولا يزال يقال عن الحكومة الرابعة، وان خلّفت وراءها رقماً قياسياً في استغراقها التأليف، فأبصرت النور في اليوم التاسع من الشهر الحادي عشر. وقد لا يكون الرقم القياسي الوحيد حتى الآن.
أولاهما، مع حكومة الرئيس فؤاد السنيورة عام 2008، على أثر تسوية الدوحة، عندما تحفّظ اربعة من وزرائها عن الفقرة المتعلقة بسلاح المقاومة في البيان الوزاري عند التصويت عليه في مجلس الوزراء لاقراره، وهم نسيب لحود ووزيرا حزب القوات اللبنانية ابراهيم نجّار وانطوان كرم ووزير حزب الكتائب ايلي ماروني. ورغم ان البيان الوزاري كلٌ لا يتجزّأ ما دام يعبّر عن برنامج الحكومة مجتمعة، يقتضي ان يعبّر عن تضامن وزرائها ايضاً بمن فيهم المتحفظون او المعارضون الذين يلتزمون في نهاية المطاف ارادة الغالبية.
اقتصر التحفّظ حينذاك على تلك الفقرة المتعلقة بـ «حق لبنان بشعبه وجيشه ومقاومته في تحرير او استرجاع مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء اللبناني من قرية الغجر المحتلة…». أول عهد الحكومات التالية بالقاعدة الثلاثية (الجيش والشعب والمقاومة).
ثانيهما، ان حكومة الرئيس سعد الحريري عام 2009 تطلّب انجازها البيان الوزاري 11 اجتماعاً في 22 يوماً، وحكومة الرئيس نجيب ميقاتي عام 2011 تطلّب انجازها البيان الوزاري 17 يوماً، فاذا البيانان ينتهيان الى الصيغة نفسها عام 2008 بتأكيد الموقف ذاته من سلاح حزب الله من ضمن المعادلة الثلاثية إيّاها. ومع ان هاتين الحكومتين متناقضتا الصورة، احداهما ائتلافية والاخرى سيطر على غالبيتها فريق واحد، لم تُثر بمرور اجتماعات لجنة البيان الوزاري مهلة الـ30 يوما لانجازه، وعُدّ الامر في صلب مناقشاتها المتأنية.
في اجتماعها المقرّر اليوم، في الجلسة العاشرة واليوم الـ24 من المهلة الدستورية لانجاز البيان الوزاري، لا تبدو حكومة الرئيس تمام سلام مختلفة كثيراً، ما خلا الرقم القياسي الثاني الذي تسجّله، ويجعلها تقرّ البيان الوزاري هذا الاسبوع على ابواب ختم مهلة الـ30 يوما التي تنتهي الاثنين المقبل.
وتبعاً لما يقوله، تستبق الجلسة العاشرة اليوم «ايجابيات» يلمسها رئيس المجلس نبيه بري الذي يتحدث عن «تحضير افضل» للجنة الوزارية التي ستناقش اقتراحاً كان قد أعدّه ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط لعرضه عليها. يتكتم بري عن مضمون الصيغة الجديدة لاخراج بند المقاومة من تناقض المواقف التي يتخبط فيها، الا انه يشير الى بضعة معطيات مرتبطة بها:
1 ــــ تزاوج الصيغة الجديدة بين مجمل المناقشات التي رافقت في الاسابيع الثلاثة المنصرمة مواقف الافرقاء جميعاً من بند المقاومة، وبين ما عبّر عنه وزير الخارجية جبران باسيل في كلمة لبنان في اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة الممهّد للقمة العربية المقبلة في الكويت.
ويشير رئيس المجلس الى ان الفقرة المتعلقة بلبنان في مسودة البيان الختامي، وتحديدا «حق لبنان واللبنانيين في تحرير او استرجاع مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء اللبناني من بلدة الغجر…»، ليست ابنة لحظتها في اجتماع القاهرة، بل طرأت عليها تعديلات شتى احتاجت الى اكثر من ذهاب واياب بين اكثر من جهة معنية، الى ان استقرت على الصيغة التي ادلى بها باسيل. فاذا هي ثمرة جهد مشترك بين بيروت والقاهرة، ومن شأنها ان تكون اساساً جدياً لمقاربة البيان الوزاري المقاومة وادراجها في متنه، بعد موافقة بري وحزب الله على صرف النظر عن القاعدة الثلاثية للمرة الأولى منذ عام 2008.
2 ــــ يصر بري على ان لا مساومة على تضمين البيان الوزاري عبارة «مقاومة»، كونها حقاً اساسياً وجوهرياً من حقوق لبنان لا يسعه التخلي عنها، والاحرى انه لن يتخلى عن هذا الدور في مواجهة اسرائيل.
3 ــــ لا تقتصر الصيغة المقترحة لتكريس «المقاومة» في البيان على الجانبين العسكري والامني «بل يشمل ايضاً كل اعتداء اسرائيلي على الحقوق والثروات اللبنانية الاخرى سوى انتهاك الارض والجو، خصوصاً النفط والمياه اللذين تعنى المقاومة واللبنانيون بالدفاع عنهما». وتساوي الصيغة، في رأي رئيس المجلس، بين هذه الحقوق التي يتمسك بها لبنان. بيد ان الانطباعات الايجابية التي يشيعها بري عن اجتماع اليوم، لا تقلل تشبثه بوجهة نظره من تطبيق المادة 64 من الدستور التي تحدد 30 يوما لانجاز البيان الوزاري. يقول: «لا تزال هناك مهلة حتى الاثنين المقبل لاقراره في مجلس الوزراء. اذا اخفقت الحكومة، لا مناص من التحرك واعتبار مهلة وضع البيان الوزاري انتهت دستوريا، ويقتضي بمجلس النواب التحرك».
يضيف بري: «سأبادر الى الاتصال برئيس الجمهورية عندئذ والطلب اليه، في ضوء المادة 64، الدعوة الى استشارات نيابية ملزمة لتأليف حكومة جديدة كون الحكومة الحالية تصبح في حال تصريف اعمال واقعي. المادة 64 واضحة بلا غموض. مهلة اسقاط لا مهلة حث اياً يكن رأي الافرقاء الآخرين. عندما ينزعون عنها مهلة الاسقاط، بماذا تراهم يصفونها؟ هل يقع تكليف الرئيس المكلف بدوره في نطاق مهلة حث؟ وبذلك لا الرئيس المكلف يؤلّف ولا البيان الوزاري يجري وضعه. تقول المادة 64 «على» الحكومة، وهي عبارة دالة على الالزام والواجب الدستوريين، ولا تقول على سبيل المثال «لـ» الحكومة ان تضع بيانها الوزاري كي يُنظر الى هذه المهمة من باب الترغيب والاستمهال لا من باب الالزام. سأقوم بما يمليه علي واجبي الدستوري. بعد ذلك يصبح الامر بين ايدي المعنيين».
المصدر: الأخبار