حبيب فياض يضع يدا على جرح الحزب

لم يكن «حزب الله» مضطراً للانخراط في خضم الحياة السياسية الداخلية لولا الانسحاب السوري من لبنان في العام 2005. هذا الانسحاب، بما أحدثه من فراغ في الداخل اللبناني، دفع الحزب الى ملئه على قاعدتين. الأولى، حماية ظهر المقاومة من الطعن في ظل تمكين وحضور داخليين لخصومها. الثانية، لملمة الحلفاء في لحظة مصيرية من تاريخ لبنان وتشكيل غطاء للقوى الداعمة للمقاومة في مرحلة انكشاف محرجة. مذاك بات الحزب مصنّفاً على مستوى أدائه في خانة العمل السياسي الى جانب هويته الجهادية الأساسية، من دون أن يجد نفسه ملزماً بطرح شعارات إصلاحية من قبيل مواجهة الفساد وإعادة بناء الدولة.
بالعموم، ثمة في لبنان ثلاث فئات من الفرقاء الفاعلين والممسكين بشؤون البلاد والعباد: الفريق الأول ينخرط في الفساد ويتخذ منه وسيلة لتوفير الحضور، وخدمة المناصرين، حيث بلغ هذا الفريق مرحلة متقدمة على طريق نهب الدولة والإفساد. الفريق الثاني يرفع لواء الإصلاح ومواجهة الفساد، من دون أن تتخطى إنجازاته حالة الخطاب والشعار التي لم تغيّر من واقع الحال شيئاً. الفريق الثالث لم يقترب من الفساد وظل الى حد بعيد يعيش تعففاً حال دون انغماسه في موبقات السلطة، إلا انه لم يتخذ من الإصلاح برنامجاً له وظلت مواجهة الفساد بنداً خارج أجندته وأولوياته.
«حزب الله»، بوصفه المصداق الأبرز للفريق الثالث، سيجد نفسه عما قريب مضطراً إلى الانخراط الفعال في معالجة قضايا الناس لاعتبارات لا تقلّ شأناً عن ضرورات انخراطه في العملية السياسية ومواجهة المخاطر الأمنية والعسكرية. فالحزب، في ظل الفساد المستشري وانهيار الخدمات، لن يتردد طويلاً قبل الانتقال، في التعامل مع قضايا الناس، من حالة الاستحباب الى الوجوب المتعيّن. انخراط حزب المقاومة الفعلي في المواجهة على جبهتَي إسرائيل والإرهاب التكفيري، لا يُعفيه من مهام المواجهة على جبهة رفع الحرمان عن كاهل الناس، وذلك من قبيل أقل الواجب ما دام الانخراط في مواجهة الفساد متعذراً.
الظروف التي تحيط بالمقاومة وحزبها تقتضي منهما الاستنفار والتضحية أيضاً خارج مواقعهما التقليدية والمعهودة. قد لا يكون الهمّ المجتمعي الداخلي من صلب مهام المقاومة، لكنه ليس خارج منظومة القيم المؤسسة لها. فالمقاومة في الأساس امتثال لتكليف ديني يقوم على مواجهة الظلم والفساد مقدّمة لإقامة العدل، وهي شرط لازم في صراع حضاري يقوم أولاً على درء خطر خارجي من أجل ضمان قيام نهضة داخلية لا يمكن التخلي عنها. والأصل في كل ذلك أمران: كرامة الإنسان التي لا يقتصر الانتقاص منها على الاحتلال، والحق في عيش كريم تنتهكه طبقة سياسية على مرأى من الجميع.
من الطبيعي أن يتعامل «حزب الله» مع الأخطار المحيطة به على قاعدة إعطاء الأولوية للجبهة التقليدية. لكن ليس من الطبيعي أن يحصر الحزب مهماته في بعض التكليف الديني والوطني دون بعضه الآخر، خاصة أن الأمر عنده قد لا يكون متوقفاً على القدرات أكثر من التوجّهات. فالعمل على معالجة ملفات من قبيل الكهرباء والنفايات لن يكون أصعب من إعادة إعمار الضاحية وما دمّرته آلة الحرب الإسرائيلية في الجنوب والبقاع، بنحو يكشف، في آن، عن حرصه الكبير على مصالح الناس وقدرته الهائلة على الفعل والتأثير.
المصدر: السفير

شاهد أيضاً

في رثاء الحاج طلال شرارة (أبو علي)

قم أيها الحبيب! رد هذا التراب عن وجهك وحدثنا فنحن لم نودعك كما الزوجة والأبناء …