ولنا في هذا الزمان أنت..
تدرك جوليا أنها الملكة. تزهو بتاجها العريق المصنوع من قلوب وقبضات
تعرف تماماً ما تعنيه صورتها وبماذا يصرخ صوتها، وأيقونة ماذا أصبحت.
عيناها بكل ثقة تضجان بالعز والفخر والعنفوان، وفي الوقت نفسه بالتواضع والعفوية. سيدة المشهد اللبناني الحضاري بلا منازع، تعكس الهوية الحق، مكللة بأناقة وأصالة لا يشاركها فيهما أحد.
لا يمكن لأي انسان أن يسقط عليها تسمية أو توصيف مشترك مع أحد.
لا هي فيروز ولا هي أقل منها
لا هي أم كلثوم ولا هي أقل منها
قد لا يسعنا أن نقول اليوم أنها أكثر منهما، ذاك ظلم لجوليا قبل الأيقونتين فيروز وأم كلثوم.
لكن هل هناك من يقول إن جوليا لم تصبح أيقونة؟
ألا تختزل بصوتها كل تاريخنا المعاصر من تعب وجهد وجهاد وانتصار؟
ألم يرافقكم صوتها في الذاكرة التي عنوانها “عناقيد الغضب”؟
أكاد أبكي إذ أعيش اللحظات…. قانا 1996:
صوت جوليا يصرخ غاضباً غاضباً، وأمي تبكي، والتلفاز ينقل صور الأطفال الشهداء .. 1996، كانت معنا تثور وتغضب
ومن يومها ومن قبل ذاك اليوم، لم تتركنا جوليا.
يوم التحرير كانت جوليا بكوفيتها وزندها المرفوع تحمل سلاحاً
يوم الغضب في ساحات البلاد كانت معنا بلباس رياضي
يوم اجتمع العالم كله ليهزمنا فانتصرنا، غنّت للأحبة رسالة الوفاء
مع ربيع الذبح العربي، انقلب الجميع وصمت الجميع و”تسيّس” الجميع.
اختارت أن تترفع، لأنها عالية.
اختارت الصمت البليغ والكلمات المواقف، وكان الزياد يلحّن كل أشكال قتالها:
الحق سلاحي، لا أستسلم، أطلق نيرانك، عدونا سيهزم…. كلمات مواقف مقاتلة، صمود بالفكر واللحن والصوت والأصالة.
وحدها ترتفع، لا تضيق لهوية حزبية أو مذهبية أو أجنبية. بلادي هي، بلادي معها، بالمطلق.
لا تغني لسفارة أو إمارة ولن.
لا تغني لأجل مال أو طرب أو فن.
المرأة تغني وجودنا.
تغني الحق الذي هو سلاحنا
تغني استمراريتنا بكل أشكال الكفاح… نرفض نحن أن نموت يا جوليا! وأنت أكبر دليل.
صوتك الصدّاح على خشبة الواجهة البحرية، يقول لكل الدنيا أننا نحن لا نموت، ونبقى، لأجل ما نمثل ولأجل وقفات عزّنا.
نظلق نيراننا، ولا نرحم…سيموت بأرضنا أو يهزم..
كل خطوة، كل لفتة، كل بسمة، كل كلمة، كل تفصيل في كل تفصيل، وجودك أنت، ملحمة انتصار هويتنا،
تشبهين الملكة التي نريد، انعتاق كلّي بالموهبة لأجل هذه البلاد
تشبهين الحق الأنثى، أعلى من الغرائز والمطامع الأجساد
تشبهين نبيّة سورية من لبنان، من شوير أنطون سعاده، انتصرت بدمها ودمعها على الجلّاد
غدي فرنسيس