جهنم أستراليا

يعاني مئات اللبنانيين ولا سيما في عكار والضنّية وطرابلس من الفقر المدقع فضلاً عن تداعيات الوضع الإقليمي الخطر وانعكاسات النزاع السوري تحديداً، ما دفع شباب هذه المناطق الى الفرار والبحث بعيداً عن أمنٍ وبحبوحةٍ افتقدوهما على ارض وطنهم، فلجأوا الى هجرة غير شرعية…، الى أوستراليا، وعن طريق أندونيسيا!

مضَت خمسة أشهر تقريباً على مغادرة 45 لبنانياً الى أندونيسيا حيث تعرَّضوا لشتى أنواع الإستغلال على أيدي رجال المافيا الذين ابتزّوهم مادياً لتهريبهم إلى أوستراليا. لحظات الإنتظار كانت طويلة وأيام السفر بالنسبة لهم كانت سنيناً، فالموت كان يتراءى أمامهم في كل لحظة وشبحه لم يفارقهم.

في عبّارات اندونيسية، توجَّهوا الى جزيرة “كريسماس آيلاند” الأوسترالية. أربعة أيام من الخوف عاشها الشباب وهم يحملون أرواحهم على أكفّهم. وفي 25 تموز الماضي، فوجئوا لدى وصولهم الى الجزيرة بالقرار الذي اتخذته السلطات الأوسترالية، ألا وهو نقلهم الى جزيرة “بابوا غينيا” المعزولة ووضعهم في مخيمات خاصة للمهاجرين غير الشرعيين.

ولكي تكتمل مصائبهم، بدأت الحكومة الأوسترالية بتطبيق ضوابط القرار بحراً وجواً للحدّ من الهجرة غير الشرعية اعتباراً من 19 تموز الماضي، وعملاً بالإجراءات الجديدة، أُبعد اللبنانيّون قسراً الى مقاطعة “مانوس” في دولة “بابوا غينيا” الجديدة التي تقع جنوب غرب المحيط الهادئ شمال أوستراليا، ووُضعوا في مخيمات شبيهة بالمقابر.

فؤاد الخالدي، شقيق بلال ابن العشرين عاماً من بلدة مشمش العكارية والذي هاجر الى أوستراليا، يروي لـ”الجمهورية”، ما يواجهه اللبنانيّون في بلاد الاغتراب، ويقول: “يعطي مواطنو الجزيرة اللبنانيّين مخدرات وحبوب اعصاب، وهم في حال يرثى لها، وقد حاول أحدهم من آل السماك من طرابلس قتلَ نفسه وأُدخل المستشفى”.

ويضيف: “حال ابن السماك لا تختلف عن أبناء وطنه القابعين في الغربة والذين يواجهون الموت كلّ يوم، فهم لا يعملون ويمضون النهار نياماً، أما الدولة فتقدّم المأكل والمشرب بعدما قسّمتهم مجموعتين في مخيَّمين مختلفين، وهم يعيشون على أمل أن يحتضنهم بلد غير بلدهم الأم، إذ إنهم يفضلون عدم العودة الى ربوع وطنهم”.

ويشير الخالدي الى أنّ “شقيقه كان يتّصل بهم مرة كل 15 يوماً، أما الآن ومع تجدّد الاشتباكات في المنطقة، بات يسمح لهم الاتصال بنّا مرتين أسبوعياً”، لافتاً الى أنّه بدوره قرَّر “السفر خلال عشرة أيام الى بلد عربي بأجرٍ لا يتعدى 1200 دولار هرباً من الوضع الاقتصادي والسياسي في بلادنا”.

من جهتها، توضح نائب رئيس البعثة الأوسترالية في لبنان لو ايلين مارتين لـ”الجمهورية”، أنّ “القانون الأوسترالي لا يعتبر من يدخل الأراضي الأوسترالية عبر القارب لاجئاً، وفي حال طلب اللجوء سيتمّ تحويله الى “بابوا غينيا” ولن يمنح تأشيرة الدخول حتى لو كان لاجئاً”.

وتؤكد أنّ “الحكومة الأوسترالية مستعدة لتسهيل عودة اللبنانيين الى وطنهم، أما في حال رفضوا العودة وطالبوا بأن يُعامَلوا مثل اللاجئين، فلن يحصلوا على حق اللجوء وستعمل الحكومة على وضعهم في “بابوا غينيا” او ترحيلهم الى بلادهم”.

بدوره، رأى وزير الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الأعمال عدنان منصور لـ”الجمهورية”، أنَّ “السلطات الأوسترالية مسؤولة عن اللبنانيّين الموجودين على أراضيها”، قائلاً: “على اللبنانيّين إمّا العودة الى الوطن أو القبول بالأمر الواقع، وسنتحرَّك في ضوء قرارهم”.

وعِبر “الجمهورية” ناشد اللبنانيون الموجودون في “بابوا غينيا”، الدولةَ اللبنانية، النظرَ الى أحوالهم والتدخل لدى السلطات الأوسترالية لتحسين أوضاعهم، إذ إنهم يذوقون المرّ يومياً ويموتون موتاً بطيئاً مع إشراقة كل شمس خصوصاً أنَّ منهم من حاول قتل نفسه، فهل يتحرَّك المعنيون لحسم هذه القضية قبل الوصول الى ما لا يُحمد عقباه؟

(رينا ضوميط – الجمهورية)

شاهد أيضاً

في رثاء الحاج طلال شرارة (أبو علي)

قم أيها الحبيب! رد هذا التراب عن وجهك وحدثنا فنحن لم نودعك كما الزوجة والأبناء …