جعجع، ينزل الى مرتبة حليف عادي

الرياض تحوّل المساعدات إلى المجموعات السلفية الواقفة على جبهة منازلة حزب الله (مروان طحطح)
بعدما كان سمير جعجع «ملك الخليج» المتوّج في لبنان بعد أحداث 7 أيار 2008، أنزله بندر بن سلطان عن عرشه ليصبح حليفاً عادياً عاطلاً من العمل بعد تنشيط الرياض دور السلفيين على حسابه

ناصر شرارة

في الأشهر القليلة الماضية، تغيّرت الرياض التي يعرفها حلفاؤها اللبنانيون. سلسلة تغييرات جرت على صعيد البنية الداخلية للحكم، فيما وضع ملف لبنان بين يدي رئيس الاستخبارات السعودية بندر بن سلطان. قبل هذا التحوّل، كانت هناك مروحة من الخيارات لتلجأ الشخصيات اللبنانية إلى أحدها كي تفتح «خطاً» مع المملكة: من الأمير مقرن بن عبد العزيز، إلى السفير السعودي السابق في لبنان عبد العزيز خوجة، الخ…
وحتى وقت مبكر من العام الجاري، كان نجم خالد التويجري الذي يدير بلاط الملك لا يزال ساطعاً، وبلغ نفوذه حجماً كبيراً من التأثير في قرارات الملك، الى درجة أثارت حفيظة أمراء الأسرة الحاكمة. فأقرّ العاهل السعودي نوعاً من التوازن بين التويجري ــــ الذي بات المصفاة التي تحدد مواعيد الملك مع أية شخصية داخل السعودية وخارجها ــــ وولي العهد الأمير سلمان بن عبد العزيز. ومن ثقب هذا التوازن، نفذ، على سبيل المثال، مشروع تسمية النائب تمام سلام لتأليف الحكومة اللبنانية العتيدة. طبعاً، ليس لبندر حق الفيتو على خيارات سلمان، لكن الأخير أوكل إليه مهمة دعم سلام كون أجندة السعودية في لبنان، في ظل اهتمامها بسوريا كأولوية، ليست سياسية بل أمنية وتتسم بمقارعة حزب الله، لا بمهادنته.
أين سمير جعجع من هذه المستجدات؟
يقول مقربون من دوائر القرار السعودية إن موقع قائد القوات اللبنانية تراجع في سلّم اهتمامات السعودية في لبنان، رغم أن النظرة إليه لا تزال على حالها، لجهة تميزه عن بقية حلفاء الرياض اللبنانيين بأن عداءه لحزب الله «عقائدي» وليس «سياسياً» أو« مصلحياً» و«موسمياً» كما هي حال النائب وليد جنبلاط، مثلاً.
قصارى القول إنه في زمن دخول لبنان «المرحلة البندرية»، لم تعد هناك وظيفة يعتدّ بها سعودياً لجعجع في لبنان. فلرئيس الاستخبارات السعودية في لبنان ذراعه العقائدية والأمنية الضاربة ضد حزب الله، وهي السلفيون السنة، فيما مهمة ممارسة المناورات السياسية الشكلية على مستوى تشكيل الحكومة موكولة إلى جنبلاط كونه يمتاز بأنه بيضة القبان التقني والسياسي ضمن التوازنات النيابية والحكومية اللبنانية.
يضاف إلى ذلك أمر آخر، في غير صالح جعجع، استجدّ على صعيد تقويم مكانته من وجهة نظر وكالة الاستخبارات الاميركية، واستتباعاً بندر الأقرب إليها في كل المنطقة العربية. فقائد القوات تلقى دعماً كبيراً من الرياض ليكون له دور فاعل في جعل موقف مسيحيي المشرق منسجماً مع المعارضة السورية، لكنه عجز عن إظهار أية قدرة فعلية على هذا الصعيد، وخصوصاً أن الرياض شعرت بالاستفزاز من زيارات رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون لسوريا قبل بدء الأحداث فيها، فيما اعتبرت زيارة البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي الرعوية لدمشق، في عز الأحداث، بمثابة إعلان من مسيحيي المشرق عن انحيازهم الى جانب النظام السوري. وتساءلت أوساط سعودية: «ماذا يفعل جعجع في المقابل؟».
خارج عدة العمل
منذ أشهر عدة، لم يُدع جعجع لزيارة السعودية أو أي من دول الخليج؛ وهو ما ترى فيه مصادر مواكبة تعبيراً واضحاً عن ميل لدى الرياض لتصنيف الرجل، في هذه المرحلة، كـ«حليف عادي»، علماً بأن تصنيفه، بين أحداث 7 أيار 2008 وبدء الأحداث السورية في آذار 2011، كان بدرجة «سوبر»، وهو ما انعكس في سيل الدعوات التي وُجّهت للرجل لزيارة دول الخليج، وفي حفاوة الاستقبال التي لقيها في الرياض.
في تلك الفترة، عزا سفير دولة عربية خليجية الاهتمام الخليجي المستجد بجعجع إلى ثلاثة أسباب. أولها أنه، بالمقارنة مع جنبلاط، أفضل و«أبقى» لأن نوعية عدائه للحزب عقائدية وليست مصلحية كمعظم الآخرين. ثانيها، أن جعجع أبلغ الخليجيين أنه أجرى نقداً ذاتياً لدوره في الحرب الأهلية أفضت محصلته الى إعلان ندمه عن ارتكابات أغضبت الخليجيين كقتل رئيس وزراء سني (رشيد كرامي) وابتعاده عن الخيارات ذات الصلة بإسرائيل لمصلحة التزامه بالخط العربي ضد إيران وحليفيها في المشرق، سوريا وحزب الله. ثالثها، أن جعجع نجح في إعطاء انطباع عنه بأنه الرجل المناسب أكثر لمقارعة حزب الله عسكرياً وأمنياً فيما لو اقتضى الأمر خوض حرب من هذا النوع مع الحزب في لبنان.
في هذه المرحلة، كان جعجع «ملك الخليج المتوج في لبنان»، الى درجة أثارت حتى حساسية الرئيس سعد الحريري منه لبعض الوقت. حصل ذلك تحديداً عندما أُبلِغ الحريري بأن موازنة العمل الخاصة بجعجع ستصله بعد اليوم مباشرة، لا عن طريقه. وتشكك أوساط سعودية بأن هذا الامتياز لا يزال على حاله الآن. وتقول: «صحيح أن الرياض لم تقطع المساعدات عن جعجع، رغم أنها طالت الجميع في لبنان بعد الانتخابات النيابية الأخيرة، لكن في المرحلة البندرية، أصبحت الرياض تحول المساعدات إلى المجموعات السلفية الواقفة على جبهة منازلة حزب الله، بأمر عمليات من بندر شخصياً».
خلال «حفلة إيحاءات» الغزل التي قام بها سفير السعودية في لبنان علي عسيري للعماد عون، حبس جعجع أنفاسه. فقد شكّل هذا الانفتاح السعودي على خصمه الماروني اللدود مؤشراً آخر، من وجهة نظره، على أنه ضمن نطاق مجال العمل السعودي في لبنان، بات فعلاً ينطبق عليه وصف «العاطل من العمل». ومنذ تلك الفترة، بدأت تصدر عنه، بحسب مقربين منه، علامات تذمر مما يسميه «خواء» أجندة الدول الحليفة لـ 14 آذار، العربية والغربية من أي مشروع عمل في ما يتعلق بلبنان، بل تكتفي بالأسئلة وجمع المعلومات.
وفي هذا السياق، تلفت المصادر الى أن جعجع هندس إطلالته، في ذكرى شهداء القوات، لتذكير الخارج، وخصوصاً الخليجيين، بأنه لا يزال موجوداً، وفي الأساس لتوجيه رسالة غير مباشرة إليهم بأنهم يخطئون فيما لو عاملوه بوصفه «الحليف المنسي». ومن هنا تقصّد تضمين خطابه إيحاءات بارزة بأن في يده فتح بازار الاستحقاق الرئاسي، والإيحاء بأنه إما المرشح المناسب لمشروع ما بعد الأسد في سوريا أو في ظل استمرار الصراع معه، أو أنه الناخب الرئيس في الاستحقاق الرئاسي، علماً بأنه علم، بالتأكيد، برأي السعودية التي تريد رئيس جمهورية ضعيفاً، لا يشكّل منافساً لموقع الرئاسة الثالثة في لبنان.

20130904-193932.jpg

شاهد أيضاً

في رثاء الحاج طلال شرارة (أبو علي)

قم أيها الحبيب! رد هذا التراب عن وجهك وحدثنا فنحن لم نودعك كما الزوجة والأبناء …