سليمان تقي الدين – 31/08/2013 – 00:38:00
يشن الغرب حرباً جديدة على العالم العربي من باب الأزمة السورية. ينافق الغرب مجدداً في الذرائع والأسباب تماماً كما في العراق والآن في سوريا. يضع فكرة إنسانية وأخلاقية لتغطية جريمة كبرى، كسلاح الدمار الشامل أو السلاح الكيماوي. يريدنا ان نرضخ لمنطق القوة التي حصدت الملايين من الضحايا بسبب معاقبة أنظمة الاستبداد. يدّعي ان حربه عادلة وسلاحه نظيف وقتله وتدميره فريضة أخلاقية. هو أصلاً صانع كل أنواع الأسلحة وكل أدوات الحرب الهمجية. هو منتج النووي والكيماوي والجرثومي والنابالم المحرق والقنابل العنقودية والمتشظية الفراغية، وهو سيد الحروب والمحارق البشرية. لكن السؤال: ماذا يريد الغرب من الحرب على سوريا؟ قطعاً ليس تخليصها من الآلام ولا مساعدة شعبها لنيل حريته، ولا سيادتها واستقلالها ولا تنمية وتقوية مواردها البشرية والمادية وتطوير قدراتها. هو الآن يريد إخضاعها لشروطه ومصالحه التي رسمها وأعلنها في قيام «شرق أوسط» لا مكان فيه للاعتراض والمعارضة و«الممانعة» لسيادة الغرب العليا وفي مقدمتها الخطوط الحمر لأمن إسرائيل والنفط، كما كرر الرئيس الأميركي باراك أوباما.
قد نعجب من هذه المعادلة حين تكون إسرائيل قوية والنفط تحت سلطة الغرب وإدارته. لكن سيادة الإخضاع لا تحتمل المسايرة، فالمطلوب تغيير لغة المنطقة وثقافتها ووعيها وعواطفها حتى لا يبقى فيها جهة تلهج أو تعلن أو تفكر أو تحلم بما يخالف إرادة الغرب. وها نحن ندفع فاتورة الاعتراضات اللفظية والتحديات المجانية من غير ان نكون فعلاً قادرين على تغيير مسار الأمور.
نكتشف بعد نصف قرن من المواجهة ان المسألة لم تعد رجلاً لرجل ووجهاً لوجه، وان الإمبريالية ترمي شباكها علينا في الاقتصاد والأمن والثقافة والسياسة، وأنها داخل منظومة حياتنا العربية وأن لها شركاء ووكلاء، وهي تحاصرنا لأننا شعوب في سجون ومنافِ وولاءات وانقسامات، وإذا ما امتدت أيدينا إلى وسائل الحرية وجدت نفسها في أصفاد الاستبداد.
لن يخدعنا الغرب في الماضي والحاضر وهو طالما لم يعد مهتماً حتى لخداعنا بأنه يريد لنا الحرية والخير. لا النموذج العراقي يصلح ولا تحالفه مع الإسلام السياسي في سياق الثورات العربية يوحي بثقافة التحرر والحرية. اما انه مع إسرائيل بلا شروط ومع سلطته على النفط فحدّث ولا حرج. تصرف الغرب منذ اللحظة الأولى للأزمة السورية على أنه الشريك الأكبر في خطة استنزاف البلد، الشعب والدولة، وليس على أنه صديق للشعب السوري أو حريص على حرية الشعوب وحقها في الديموقراطية وتقرير المصير. كان موقعه في الوجه الآخر والمقابل لخيارات الحرب الأهلية أو للعنف المتبادل، ولم يكن يدعم أي حل سياسي هدفه الحرص على مقدرات الشعب السوري. وهو الآن يمضي في خطة الإنهاك الشامل والتحطيم المنظم لما بقي من قدرات يمكن ان تشكل ركيزة لنهوض هذه الدولة بالحد الأدنى من دورها وسيادتها ووحدتها.
مدهش وهو يعلن انه لا يريد إسقاط النظام ولا تدمير أسلحته. مدهش وهو يزعم ان الضربة العسكرية تستهدف ردع النظام عن استخدام السلاح الكيماوي. فهل كل هذا الحشد العسكري الغربي لمجرد تأديب النظام على خرقه بعض قواعد اللعبة ومحظوراتها؟ قطعاً لا. هناك هدف جدّي لتقليص جغرافية النظام وديمغرافيته بحيث لا تكون حصته من السلطة والنفوذ عقبة أمام خطة إخضاعه وإخضاع حلفائه لشروط الحل. وأكثر من هذا تجريد سوريا وجيش سوريا لمدى بعيد من سلاح نوعي لم يستخدم ولكنه يمكن ان يستخدم ذات يوم في استعادة قوتها على أي محور أو جبهة. فإذا كان لا بد من تحديد دوافع هذه الحرب وأهدافها، فهي تجاوز النظام الذي لم يعد نظاماً أصلاً، إلى ما تمثله سوريا تاريخياً وما تقوم به اليوم كنقطة جذب وتوازن مهمة في سياسات المشرق العربي.
على هذا المستوى يبقى الشعب السوري هو الخاسر الأكبر في ما بذل من تضحيات وما دفع من أثمان في مواجهة استبداد نظامه وفي ما سيدفعه إضافة لذلك على يد العدوان الغربي الذي لا يحل مشكلة سوريا، و«المسألة السورية» التي صارت أبعد بكثير من ان تنحصر في جانب واحد أو موضوع من مواضيع الصراع. ولعل الموجع أكثر في المشهد كم سنكون مهزومين لأننا لسنا قادرين على كسر الحرب العدوانية الغربية ولأن الكثير من الادّعاءات و«الانتصارات» الوهمية لا زالت تنتظرنا حين نرفع ما بقي من رؤوسنا وأجسادنا من تحت الركام.