اجتماع أميركي ــ إيراني فوق «الصفيح الإقليمي»
ماذا قال بندر عن حكومة الوحدة؟
عماد مرمل
أما وإن «التصحر الداخلي» بلغ حدا تلاشت معه كل الفرص لانتاج معالجات محلية للأزمة الراهنة، فإن اللبنانيين باتوا معنيين بملاحقة تفاصيل المفاوضات بين القوى الدولية وطهران، والتخصص بتقنيات تخصيب اليورانيوم، الى جانب تتبع «النشرة الصحية» للعلاقة السعودية – الايرانية، بغية استشراف آفاق مستقبلهم الذي بات يُستورد من الخارج «معلبا».
ولعل الرئيس نبيه بري كان الأشد صراحة في التعبير عن هذه الحقيقة المرّة عندما نعى المبادرات الداخلية ودعا الى انتظار ما يمكن ان يأتي من الخارج، مراهنا بشكل أساسي على حوار سعودي – ايراني، لا يزال يبدو حتى الآن متعذرا، خصوصا بعد الانفعال الذي تعاملت به الرياض مع التقارب الاميركي – الايراني، وقبله مع تراجع الولايات المتحدة عن توجيه ضربة عسكرية الى النظام السوري.
وفي المعلومات، ان بري شدد خلال استقباله مؤخرا السفير الايراني في لبنان غضنفر ركن أبادي، على أهمية استئناف الحوار بين الرياض وطهران «الذي بات أكثر من ضروري لتنفيس الاحتقان السني – الشيعي في المنطقة، ولمعالجة الملفات الساخنة في سوريا ولبنان وغيرهما من الدول التي تتأثر بتشنج العلاقة بين العاصمتين المحوريتين».
ولأن معادلة «ا – س«، أي إيران – السعودية، باتت من وجهة نظر بري ممرا الزاميا لتخفيف التوتر ليس في لبنان فقط، بل في العديد من المناطق الساخنة في العالم العربي أيضا، فهو يستعد لتحرك خارجي قريبا للدفع في اتجاه إحياء هذه المعادلة وإعادة ترميمها.
ويعتقد الكثيرون ان الإفراج عن حكومة وحدة وطنية مبنية على اساس 9-9-6 يتطلب بالدرجة الاولى «عفوا سياسيا» سعوديا، لم يصدر بعد، برغم كل الجهود التي بُذلت، لا سيما من قبل النائب وليد جنبلاط، لإقناع الرياض بضرورات تشكيل حكومة من هذا النوع.
وقد سبق للوزير وائل ابو فاعور ان ناقش هذه المسألة، قبل مدة، مع الامير بندر بن سلطان الذي سمع من ضيفه كلاما صريحا حول حيثيات تأليف حكومة وحدة وطنية تضم في صفوفها «حزب الله». وقد لفت ابو فاعور انتباه بندر الى انه سيكون من المتعذر تشكيل الحكومة من دون الحزب، لان عدم إشراكه فيها يعني ان حركة «أمل» و«التيار الوطني الحر» لن ينضما اليها ايضا، وبالتالي فان مبدأ التأليف سيصبح في هذه الحال غير ممكن.
ويروي العارفون ان بندر أبلغ زائره انه لا يمانع شخصيا في تشكيل حكومة وحدة، يشارك فيها «حزب الله»، قبل ان يردف قائلا: «معالي الوزير.. ناقش الامر أولا مع الشيخ سعد، وإذا وجدت صعوبة معه، يمكنك ان تراجعني..».
لاحقا، لم يقتنع الحريري، ولم يراجع ابو فاعور الامير، إذ ليس خافيا، ان الرياض لو أرادت فعلا حكومة في لبنان لكانت قد اكتفت بتعميم كلمة السر التي تفعل في العادة فعل السحر، من دون اللجوء الى أي «وصفة» أخرى.
ولا يقلّ التفاوض الدولي – الايراني حول الملف النووي تاثيرا في ساحات الشرق الاوسط، ومن بينها الساحة اللبنانية التي تملك قابلية كبرى للتفاعل مع اتجاهات الريح الاقليمية والدولية، بفعل الفراغ المتمادي والانقسام الداخلي الحاد.
وقد تبلغت مراجع سياسية بارزة في بيروت معلومات موثوقة تفيد بان لقاء مباشرا ومنفردا عقد بين الاميركيين والايرانيين، على هامش المفاوضات التي حصلت مؤخرا في جنيف بين طهران ومجموعة الـ 5+1، ويبدو ان البحث توسع خلال هذا الاجتماع ليشمل، الى جانب الملف النووي، مسائل أخرى تتصل بالاوضاع الاقليمية.
وتؤشر المعطيات الموجودة بحوزة هذه المراجع الى ان التفاهم حول «النووي الايراني» هو بمثابة «واقع قبل التوقيع»، وسيتم انجازه عاجلا أم آجلا، مع الاخذ بعين الاعتبار ان بناء الثقة يتطلب خطوات متبادلة قد تحتاج الى بعض الوقت، تماما كما ان الدول المتضررة من الاتفاق بحاجة الى مهلة زمنية لهضمه والتكيف معه.
ووفق المتابعين لأجواء المباحثات النووية، فان الوفد الايراني المفاوض يضم في عضويته كفاءات مميزة، ثم ان وزير الخارجية الايراني جواد ظريف الذي سبق له ان أمضى سنوات طويلة في الولايات المتحدة يُعد بمثابة «خبير» في الشخصية الاميركية، ويعرف كيف يحاكيها ويدغدغ عواطفها، وأولى الإشارات كانت موافقته على اعتماد اللغة الانكليزية في التفاوض بدلا من استخدام اللغة الفارسية مع ترجمة.
وتكشف المعطيات المتسربة الى بيروت ان طهران لجأت الى استعمال تكتيك تفاوضي مباغت، اربك الطرف الآخر وأحرجه، بعدما وجد الكرة تتدحرج في ملعبه، إذ أبدى الإيرانيون موافقتهم على معظم الطروحات المقدمة اليهم، ثم طلبوا في الوقت ذاته الاستجابة لمطالبهم دفعة واحدة، وهي تشمل انهاء العقوبات الاقتصادية ورفع الحجز عن الارصدة الايرانية والغاء الحظر على قطع الغيار للطائرات والسيارات وغيرها من الامور. بوغتت الدول الغربية بهذا العرض، وحاولت تجزئة مطالب طهران والتعامل معها بالمفرق، فرد الايرانيون: لا بأس.. نحن أيضا سنعامل طروحاتكم بالمثل.