جورج علم
ثلاثة مليارات دولار، رقم مشفوع بالإمتنان إذا كان صافياً، وعدّاً ونقداً للجيش اللبناني، وليس ثمن صفقة سياسيّة، أو رئاسيّة، أو إستدراجيّة لإغراق لبنان أكثر في نزاع المحاور.
فيما يدفع اللبنانيون الثمن باهظاً نتيجةَ تضارب المصالح السعوديّة – الإيرانيّة، كان الأمل معقوداً لإطلاق مسار ديبلوماسي، على زيارةٍ يقوم بها وزير الخارجية الإيرانية محمد جواد ظريف الى المملكة، لكنها لم تحصل. تريد الرياض انسحاب طهران من خصوصيات الدول العربيّة، كشرط لتحسين العلاقات، فيما يتصرّف الإيرانيّون على قاعدة “ما لنا، هو لنا وحدنا، وما لكم، هو لنا ولكم”.
تحوّل “الكباش” الى مواجهة مفتوحة ونزاع سنّي ـ شيعي مكشوف في العراق وسوريا، ولنا في لبنان المثل والمثال، التداعيات الأمنيّة والإقتصاديّة والإجتماعيّة والمعيشيّة خطرة، فيما الفاعليات مسمّرة في مواقعها على خطوط المواجهة تتقيد بإملاءات الخارج، وتلبّي رغباته، فيما الداخل تحوّل بيئة مؤاتية للإرهاب، يسكنها الفراغ السياسي، وتعيث فيها الفوضى.
يتقدّم التقارب الفرنسي – السعودي على حساب فتور في العلاقات السعوديّة – الأميركيّة، لكن لا أحد في وسعه إلغاء أحد، أو أخذ مكانه، وفي حسابات الدول تبقى المخارج هي الأصعب، فماذا يرتب من مخارج لكثير من الملفات الساخنة؟ لا جواب واضحاً بعد، لكن وسط هذه المتغيرات تطلّ المليارات الثلاثة فجأة على المشهدَين الأمني والسياسي المحلي والإقليمي.
لقد حاول وزير الخارجيّة الأميركية جون كيري ضبط الإيقاع، فزار المملكة، وإتصل بالإيرانيّين، وصُدم بالمواقف المتصلبة، وبدت “الفاتورة” السعوديّة غالية الثمن، ومحشوّة بالمطالب العاجلة، مع سرعة في التنفيذ، وقد بدت من المنظار الأميركي على أنها شروط تعجيزيّة، تحتاج الى كثير من الجهد والوقت، والى تدوير الزوايا الحادة، والى نشر مناخ مؤاتٍ على المستوى العربي والإقليمي، لأنّ كلّ مطلب من هذه المطالب يحتاج الى دورة كاملة من المعالجات التي تتناول ملفات أخرى متصلة، ودول أخرى معنيّة بما يجري.
أفسحت الإدارة الأميركيّة هامشاً من الوقت لكي تبرد الرؤوس الحامية، ويصبح في الإمكان الحديث عن حوار، عن تلاقٍ، عن جوامع مشتركة تمكّن السعودييّن والإيرانييّن من الجلوس حول طاولة، إلاّ أنّ النتائج لم تتوافق مع التوقعات، وقد بدأت الفوضى المسلّحة تخرّب دولاً وأنظمة، وتعرّض كيانات لمخاطر الإنقسام والتجزئة، وتقضي على ثقافة الحوار والحياة، مقابل ثقافة الموت، والأحزمة الناسفة والسيارات المفخخة، والإرهاب المتنقل.
تثير المليارات الثلاثة حفيظة واشنطن، قد تكون بدل “صفقة” لإستمالة فرنسوا هولاند، وحمل فرنسا على الوقوف الى جانب المملكة لدعم خياراتها، ومنع قيام الهلال الشيعي الإيراني، خصوصاً أنّ التوقيت مهم، ويتزامن مع إقتراب موعد جنيف – 2، وكأنّ الهدف نسف الإعتدال، وقطع الجسور للتأكيد بأنّ لا حوار، ولا مهادنة، ولا وقف لإطلاق النار في سوريا ما لم يتنحّ الرئيس بشّار الأسد، وهذا يعني “عسكرة” المرحلة المقبلة، بدلاً من البحث عن الإمكانات التي تساعد على إطلاق مسار سياسي يوفر هدر الدماء. إنّ السنوات الثلاث من الإنتفاضة قد أفرزت حقيقة صارخة مفادها أنّ لا تغيير عن طريق القوّة والسلاح والمجازر، نظراً لوجود توازن دولي دقيق يدعم النظام بمقدار ما يدعم المعارضة.
إسرائيل غير مرتاحة، ويمكن أن تنتهز الفرصة لكي تتنصّل من إلتزاماتها في شأن قيام الدولة الفلسطينيّة، وحجتها أنّ في لبنان مقاومة شرسة، وجيشاً متحالفاً معها سيصار الى تسليحه، فأيّ سلاح سيعطى له؟ ووفق أيّ إستراتيجيّة، وأيّ أهداف وأغراض؟ ومن يضمن ألّا يصبح هذا السلاح في أيدي عناصر “حزب الله”؟ أما عن إيران فحدّث ولا حرج، تشارك أو لا تشارك في “جنيف – 2” هي المسألة؟ يبدو أنّ فرصة اليد الممدودة قد انتهت، وعادت المواجهات ومعها التصعيد سواء في العراق، أو في سوريا.
أما في لبنان، فحزب الله مستنفر، وعدم الإنسحاب من سوريا لا يعني المساومة في الداخل، ويعتبر أنّ المليارات السعوديّة قد جاءت في توقيت ملتبس، قد تُمنح لفرنسا بهدف تسليح الجيش، كما قد تشكّل تمويلاً لمرحلة مقبلة من المواجهات الشرسة مع بيئته وضدّ خياراته.
ويتساءل عن نوع الصفقة، وحجمها، والمستفيدين منها؟ هل هي ثمن التمديد للرئيس ميشال سليمان، وتمويل المشروع الفرنسي الذي يصبّ في هذا الإطار؟ هل هي لتمهيد الطريق أمام قائد الجيش العماد جان قهوجي للوصول الى قصر بعبدا؟ أم هي لتحرير لبنان من السلاح اللّاشرعي وفق ما أعلن الرئيس فؤاد السنيورة؟!