بعد النووي ملف الإقليم بيد السيد

منذ الاجتياح «الإسرائيلي» للبنان واحتلال جنوبه لا يختلف اثنان على موقعه الحسّاس في خريطة المنطقة، وقد بات قلب العالم السياسي منذ ذلك الاحتلال الذي تمدّد قبله إلى فلسطين وغيّر مصير المنطقة برمتها وأنشأ قواعد جديدة للعلاقات بين الدول العربية نفسها من جهة وعلاقتها بالعالم من جهة أخرى، وباتت «إسرائيل» الشغل الشاغل للعالم وكلّ وما يتعلق بها من قريب أو بعيد، كتحصيل للحاصل.المقاومة في لبنان التي أضحت اليوم تتمثل بحزب الله صارت وحدها الشغل الشاغل لكيان الاحتلال منذ أكثر من 20 عاماً، فقد جعلت من لبنان محور اهتمامات الدول الغربية والإقليمية بسبب حساسية ملف الصراع العربي ـ «الإسرائيلي» الذي لم ينته حتى الساعة ولا تزال الحقوق العربية مهدورة والوحدة معدومة والمبادرات ملغومة حتى باتت آخر محاولات فريق باراك أوباما لحلّ القضية الفلسطينية وزيارات كيري المتكرّرة لوضع خطوة في هذا المجال قبل انتهاء ولاية أوباما الأكثر جدية منذ أكثر من 60 عاماً من السبات العربي.
يتجسّد قلب العالم السياسي والاستراتيجي في لبنان بشخصية محورية تتجه إليها جهاراً وسرّاً الوفود الدولية من أجل طرح مبادرات أو التساؤل عن أجندتها المقبلة ورؤيتها في معالجة الملفات، وهي شخصية أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله الذي، على ما يبدو، باتت طائرات المبعوثين الكبار في العالم لا تتوجه سوى لملاقاته من أجل حسم الأمور ومعرفة مساراتها حتى بات بعضها لا يتحلحل من دون موافقة الحزب وهذا أحد المتغيرات الكبرى الجديدة في واقع هذا الحزب على الصعيد الإقليمي.
أرخت الأزمة السورية بظلالها على لبنان وبشكل أكبر على حزب الله الذي انخرط بالكامل سياسياً وعسكرياً وإعلامياً فيها، كمعني رئيسي تحت عدة عناوين تبيّن بعدها أنّ العنوان الأبرز فيها هو صدّ المشروع «الإسرائيلي» الهادف إلى ضرب ما وصفه السيد نصرالله بقلعة المقاومة وظهرها وسندها وعرقلة ممرّ الأسلحة للحزب وتدمير مواقع استراتيجية تحلّ مكانها الجماعات التكفيرية من أجل ضرب حزب الله من الخلف، فكان لهذه الجماعات، من كلّ حدب وصوب، الزخم الكبير من عتاد وسلاح وأهمّ ما في الأمر عناصر مقاتلة بالآلاف.
خرج حزب الله من معادلة الارتباط بمحور كفريق فاعل فيه ليدخل مع الأزمة السورية مرحلة صناعة مصير هذا المحور، لاعباً دوراً أساسياً في المعادلات الإقليمية وتغيير وجهتها، بالتالي دخل مطبخ التسويات الكبرى من بابها العريض بزخم فرضته إنجازاته على الأرض السورية التي لم تتقدم أي من الدول الكبرى المعنية بالتحالف الدولي لمكافحة الإرهاب وغيرها بإرسال مقاتلين يحاربون وجهاً لوجه الجماعات التكفيرية بسبب ما تمليه عليهم حساباتهم السياسية والداخلية، فانتزع حزب الله الراية وحده ليكون الوحيد من غير السوريين الذي يترجم حرباً يتحدث العالم كله عن خوضها ويتهرّب من مفاعيلها وأكلافها، ويخرج هذا الحزب الصغير قياساً بمقدرات الدول ليقول لهذه الجماعات: ها قد أتيتكم فاثبتوا إنْ كنتم أهلاً لحربنا ويرفع وحده مقولة «نعم نستطيع» ويترجمها، نستطيع أن نهزم الإرهاب، ثم يحظى بفضل هذه القدرة وما وصفه الرئيس السوري بالمساندة النوعية في الحرب قبولاً ورضىً سوريين نادراً ما تتهاون دولة بحساسية سورية بالتنازل عنهما لغير السوريين، بأن يمتلك القدرة على الفصل والحلّ والربط بالمعركة وينال بفضل شهادة أبنائه وخطط حربه مقعداً تفاوضياً معقداً جداً لكونه أحد أبرز صور الحركات الإرهابية بالعين الغربية والعدو الأول لـ«إسرائيل» وفي الوقت نفسه القوة الوحيدة التي تركِّع الإرهاب الذي يعلنون الحرب عليه حتى اضطرت الدول الكبرى إلى الاعتراف باستحالة التوصل إلى تسويات من دون مشاركته فيها.
وعليه، وكما جاءت زيارة المبعوث الخاص للرئيس الروسي فلاديمير بوتين نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف السابقة إلى بيروت وما حكي عن لقاءات جاءت على هامش الزيارة تبيّن أنها فقط من أجل لقاء السيد حسن نصرالله من دون أي مبادرة لحلّ رئاسة الجمهورية ليتحدث بعدها عن الدور الإقليمي لحزب الله ومثله رئيس البرلمان الإيراني علي لاريجاني الذي أطلق من بيروت مقولة أحزاب أكبر من دول، استقبل السيد نصرالله وزير خارجية الجمهورية الإسلامية الإيرانية محمد جواد ظريف ووفده المرافق، في حضور السفير الإيراني في لبنان محمد فتحعلي بعد سلسلة زيارات شكلية «هامشية» مع مسؤولين لبنانين جاءت لتغطية ضرورة الزيارة الكبرى المخصّصة لوضع السيد نصرالله في صورة تطور الأمور بعد الاتفاق النووي مع الغرب بين تداعيات وخطوات مقبلة أولاً، وإعلان دخول حزب الله تحالف قوى مكافحة الإرهاب برعاية روسية ـ إيرانية وتعاون أميركي جدي بعد إعلان أوباما عن أفق التعاون التي فتحها حلّ الملف النووي الإيراني وضرورة استغلالها مع إيران أبرزها في سورية وما يمكن لحزب الله أن يقدمه من تعاون مع القوى الكبرى.
يستعدّ السيد نصرالله لسلسلة اتصالات ولقاءات إقليمية بارزة يدخل معها مرحلة مكافحة الإرهاب من الباب العريض، تماماً كما دخلت إيران الشرعية الدولية عبر نجاح مفاوضاتها والدول الست أمام العالم والسيد نصرالله اليوم هو الوجهة الإقليمية الدولية الوحيدة نحو لبنان الذي لا يزال يعاني من تفاقم أزماته بانتظار حلحلة الملفات الإقليمية الكبرى التي بات له فيها حصّة الأسد.

شاهد أيضاً

في رثاء الحاج طلال شرارة (أبو علي)

قم أيها الحبيب! رد هذا التراب عن وجهك وحدثنا فنحن لم نودعك كما الزوجة والأبناء …