المياه في بنت جبيل – وعود ومحسوبيات

علي الصغير
AM 02:19 2014-05-08
انحبست الأمطار في العام الحالي، وحبست معها مصائر أهالي قرى بنت جبيل الذين ينتظرون منذ سنوات وصول المياه إلى منازلهم. فتلك القرى، وقبل حبس السماء غيثها، يضربها العطش سنوياً. فمن يصدّق أنّ مرور 14 عاماً من التحرير لم يكف بعد لحل أزمات المياه؟ ومن يصدق أنّ أحداً لم يفلح بعد في تأمين الأموال اللازمة لتوفير المياه في بنت جبيل.
عملياً تتغذى بنت جبيل والقرى المحيطة من مصدرين وحيدين للمياه، الأول خط كفرا، ومصدره باتوليه صديقين، والثاني خط الطيبة، إضافة إلى مياه الامطار التي يجري تخزينها في آبار إسمنتية عادة ما كانت تكفي الأهالي.
والغوص لمعرفة الأسباب المانعة لوصول المياه إلى القرى دونه حكايات عن هدر وفساد وقلة حيلة وإهمال ومحسوبيات. ويقول نائب رئيس «اتحاد بلديات بنت جبيل» رئيس بلدية بنت جبيل المهندس عفيف بزي عن خزانات كفرا التي تضخ المياه إلى عدد من قرى المنطقة إن «المشكلة تكمن في أن هذه الطلمبات قد وضعت في الخدمة منذ أكثر من عشر سنوات وهي تتعرض للأعطال بشكل يومي، ما يؤدي إلى نقص في كميات المياه التي تضخ إلى بنت جبيل»، مشيراً إلى أن «خط صديقين – بنت جبيل كان قد مدّ أساساً ليغذي مدينة بنت جبيل إلا انه تعرض للتعديات في عدد من القرى التي يمر بها، ما أدى إلى انخفاض كمية المياه المضخة إلينا، هذا إضافة إلى مشكلة أخرى تتمثل باستمرار انقطاع التيار الكهربائي الذي تحتاج اليه الطلمبات للعمل أو ضعفه في أحيان كثيرة». وتشكل قرية عيترون مثالاً على تأثير انقطاع الكهرباء في ضخ المياه إلى الأهالي. ففترات انقطاع المياه التي تضخ من خزانات الطيبة باتت تعد بالأشهر وليس بالأيام، وفق رئيس البلدية المهندس حيدر مواسي، ما بات يهدد بشكل جدي الأوضاع الحياتية في هذه القرية الزراعية الحدودية. ويلفت مواسي إلى أن المشكلة تتفاقم حالياً مع بدء موسم زراعة التبغ التي تحتاج إلى المياه بشكل أساسي.
وينقل بزي لأهالي بنت جبيل وعوداً تلقاها من المعنيين، ويشير إلى أنّ «مجلس الجنوب قد أنهى حفر بئرين ارتوازيتين في وادي السلوقي مخصصتين للقرى الأكثر حاجة للمياه، وهي بنت جبيل وعيناتا ومارون الراس ويارون، إضافة إلى بئر احتياطية ثالثة، وقد ساهمت بلدية بنت جبيل بشراء أرض لإقامة محطة الضخ». وينقل أنّ هذه الآبار ستربط بخزانات بلعويل في برعشيت المربوطة بمحطة التوزيع في صف الهوا ـ بنت جبيل، متوقعاً أن يبدأ الضخ خلال شهرين كحد أقصى.
أما الوعد الأقرب، فهو قرب الانتهاء من تركيب المحطة الكهرباية العائدة لمحطة شقرا التي ستضخ إلى خزانات بلعويل، وهذا المشروع مربوط بخطوط ضخ المياه من مشروع الطيبة إلى مدينة بنت جبيل وقراها.
ويقوم المشروع على جر مياه الطيبة إلى بلدة شقراء عبر قساطل بقطر 20 «انشا» ومنها إلى خزاني برعشيت المستحدثين بسعة ألفي متر مكعب للخزان الواحد، واللذين يقعان على ارتفاع نحو 850 متراً وهي لأعلى نقطة في المنطقة وتسمح بجر المياه مباشرة إلى نحو 20 قرية في قضاء بنت جبيل من دون الحاجة إلى استعمال طلمبات ضخ أو شفط. ويشير بزي إلى أنّ العمل بهذا الخط يفترض أن يبدأ خلال 15 يوماً.
إلا انّ احتمال العرقلة يبقى وارداً مع احتمال تكرر مشكلتي كفرا والطيبة المتمثلتين بالتقنين وضعف التيار الكهربائي، الأمر الذي تحاول البلديات تفاديه عبر رفع الصوت لمد خط كهربائي خاص بالمحطة يزودها بالكهرباء على مدار الساعة.
حلول فردية
أمام ذلك الواقع المتفاقم منذ ما بعد التحرير، لجأت بعض القرى إلى حلول فردية لتغطية نقص المياه، فلجأت إلى أحد خيارين، أو كليهما معاً، وذلك عبر استحداث برك في المناطق الزراعية لتلبية حاجات المزارعين، كما هي الحال في عيترون وبيت ليف ومارون الراس، أو عبر حفر آبار ارتوازية بتمويل ذاتي أو بمساعدات دولية كما هي الحال في ياطر وخربة سلم وعيترون وعيناتا ودبل وغيرها.
وإذا كانت عيترون تعد من القرى المحظوظة لوجود آبار ارتوازية، فإن مياه هذه الآبار بالكاد تكفي لسد بعض النقص الحاصل. ويشير مواسي إلى أنّ «مياه البئر الموجودة تساعد، لكن بشكل محدود جداً، ولا يمكن أن تشكل بديلاً عن مشاريع الدولة إذ ان أقصى طاقة تلك البئر هو ثلاثة إنشات، وبالتالي يحتاج ناقل المياه إلى أكثر من ساعة لتعبئة صهريجه».
وكذلك، في بلدية شقرا التي حفرت بئراً ولم تستعملها إلا في الأسبوع الماضي بعد ربطها بشبكة التوزيع في البلدة، وفق رئيس البلدية رضا عاشور، الذي أمل أن تتمكن هذه البئر من سد القسم الأكبر من حاجة البلدة في حال سارت أمور التشغيل على ما يرام، مشيراً إلى أنّ آخر ظهور لمياه الطيبة التي تغذي البلدة كان منذ أكثر من شهر ونصف شهر.
ولجأت بعض البلديات التي لديها بعض العيون أو الينابيع إلى صيانة هذه المصادر، للإفادة منها كما هي الحال في تبنين وبيت ليف.
إلا انّ أكثر ما يلفت أنّ بعض رؤساء البلديات تصرفوا منذ البداية مع المشكلة على أساس أن لا حول لهم ولا قوة فرضوا بالواقع.
وعليه فإنّ نشاط بيع المياه ونقلها هذه السنة لم يتوقف حتى خلال الشتاء، ويزداد هذا النشاط حماوة مع مجيء الصيف وارتفاع درجات الحرارة مترافقة مع بدء رفع سعر النقلة الواحدة إلى نحو ثلاثين ألف ليرة، ومع انحسار مصادر المياه الصالحة للتعبئة والبيع مع جفاف البرك العامة ونضوب المياه في الآبار الإسمنتية.
تبقى الاسابيع القليلة المقبلة هي الفيصل في تحديد المسار الذي ستسلكه الأمور. فهل تصدق الوعود هذه المرة أو تنضم كما في كل مرة إلى سلسلة الوعود العرقوبية التي ما أسمنت أو روت من عطش؟

السفير

شاهد أيضاً

في رثاء الحاج طلال شرارة (أبو علي)

قم أيها الحبيب! رد هذا التراب عن وجهك وحدثنا فنحن لم نودعك كما الزوجة والأبناء …