المقاومة تثأر وتعيد تثبيت قواعد الإشتباك

لبنان بلا رئيس للجمهورية لليوم السابع والثلاثين بعد المئة على التوالي.
تحولت الأنظار، أمس، نحو الحدود الجنوبية مع تنفيذ المقاومة عملية نوعية، «متعدّدة الأبعاد» في مرتفعات مزارع شبعا المحتلة، استهدفت دورية إسرائيلية مؤللة، ما أسفر عن إصابة عدد من جنود الاحتلال الإسرائيلي الذي ردّت مدفعيته بقصف التلال والأودية المحيطة بقرى شبعا ـ كفرشوبا ـ الهبارية ـ جبل الوسطاني.
والمفارقة، أن هجوم البارحة حصل في اليوم ذاته الذي أسرت فيه المقاومة قبل 14عاماً ثلاثة جنود إسرائيليين داخل المزارع (7-10-2000)، الأمر الذي ينطوي على تزامن رمزي في التوقيت، لا يخلو من الدلالة.
وما زاد من أهمية العملية أنها نجحت في اختراق كل «شبكات الأمان» الإسرائيلية التي تنتشر في منطقة زرع العبوة، والمصنفة بأنها منطقة استراتيجية يتوزع فيها عدد من المواقع المحمية برادارات وأجهزة رصد حراري، لم تنفع كلها في منع مجموعة «الشهيد حسن علي حيدر» من تنفيذ مهمتها، والعودة الى قواعدها سالمة.
وكان لافتاً للانتباه أن اسرائيل التي فوجئت بالعملية، اقتبست هذه المرة مقولة «الاحتفاظ بحق الرد»، في تعبير عن حذرها في التعاطي مع التطور المستجدّ، وتحاشيها الانزلاق إلى تصعيد واسع ضد لبنان و«حزب الله».

اسم المجموعة يرمز للثأر

وتنطوي عملية «المزارع» على رسائل متعددة موجهة للعدو الإسرائيلي، بعدما تمادى مؤخراً في انتهاك الخطين الأزرق والأحمر. ويمكن تعداد أهم هذه الرسائل كالآتي:
أولاً: إعادة تثبيت قواعد الاشتباك التي حاول الاسرائيلي ان يعبث بها ويغيرها من خلال زرعه جهاز التنصت في عمق الأراضي اللبنانية في عدلون، ثم عبر لجوئه الى القتل المتعمّد لأحد أعضاء الحزب عندما بدأ بتفكيك جهاز التجسس، علماً أنه كان بمقدور العدو أن يكتفي بتفجيره فور اكتشافه، لكنه تعمّد الأذى، ما ضاعف من وطأة الخرق، كما أكد لـ«السفير» مصدر مقرب من الحزب.
وقد أتى تنفيذ العملية باسم مجموعة «الشهيد حسن علي حيدر» الذي سقط في عدلون ليؤكد هذا «المنحى الثأري» للعملية، على قاعدة المعادلة الآتية: «دم بدم».
ثانياً: تلاحقت في الفترة الأخيرة الاعتداءات الاسرائيلية التي توزعت بين إطلاق النار على موقع للجيش اللبناني في جبل سدانة وبين استهداف رعاة ماشية في مزارع شبعا او في محيطها، ما استوجب لجم هذه الانتهاكات الآخذة في التمادي.
ثالثاً: سبق للحزب أن أكد مراراً أن حسابه مع الإسرائيلي مفصول عن أي حساب آخر مفتوح في مكان آخر، وأنه حريص على ان تبقى المبادرة في يده فيقرر وفق توقيته أين ومتى وكيف ولماذا يهاجم هدفاً إسرائيلياً، وهذا ما ثبّتته عبوة «المزارع».

وجهان لعدو واحد

رابعاً: أعاد الحزب التأكيد مرة أخرى أنه لم ولن يضيّع البوصلة وأن الوجهة الأصلية لسلاحه كانت ولا تزال صوب اسرائيل، وحتى صراعه مع القوى التكفيرية ينظر اليه باعتباره الوجه الآخر للمعركة ضد العدو الإسرائيلي، لاسيما بعدما ثبت التواصل والتنسيق بين «النصرة» والاحتلال في الجولان، وصولاً الى مزارع شبعا، حيث رصدت المقاومة مؤخراً تواجداً لبعض المجموعات االمسلحة التكفيرية التي حظيت بضيافة مميزة من العدو وصلت الى حد تقديم الوجبات الساخنة للمسلحين، وفق معلومات «حزب الله».
ويعتقد الحزب أن هناك خيطاً يربط بين المواجهة التي حصلت قبل أيام على الحدود الشرقية وبين عملية أمس على الحدود الجنوبية، معتبراً أنه أمام وجهين لعدو واحد.
خامساً: أراد الحزب أن يبلغ قيادة الاحتلال أنها يجب ألا تظن أن انشغاله في هذا الظرف بمعركة شرسة مع التكفيريين يمكن أن يلهيه عن أولوية التصدّي للخطر الآتي من فلسطين المحتلة، أو يمكن أن يشكل فرصة لتعديل قواعد الاشتباك، انطلاقاً من وهم ان المقاومة باتت عاجزة او محشورة او منخفضة الجهوزية، بفعل انخراطها في المواجهة ضد المجموعات المسلحة من سوريا الى جرود السلسلة الشرقية.
سادساً: أعاد الحزب تذكير من يعنيه الأمر ان مزارع شبعا هي ارض لبنانية محتلة، ينبغي تحريرها بكل الوسائل المشروعة.
وقال نائب الأمين العام لـ«حزب الله»، الشيخ نعيم قاسم أن «مزارع شبعا محتلة ومن حق المقاومة اللبنانية أن تقوم بعمليات لتحريرها»، لافتاً الانتباه إلى أن «العملية التي نفذها حزب الله لها خصوصيتها وعبرت عنها المقاومة عندما سمتها عملية الشهيد حسن علي حيدر».
وشدد في مقابلة ليل أمس مع محطة «أو تي في» على أن «من حقنا ان نقوم بالعمليات التي نراها مناسبة، وبرغم انشغالنا في سوريا فإن أعيننا مفتوحة، وقد نفذنا هذه العملية كي نقول للإسرائيلي إننا جاهزون للردّ على أي اعتداء، ولا يمكن أن نقبل بأي خرق من دون القيام بردّ الفعل المناسب».
الى ذلك، قال الرئيس نبيه بري امام زواره أمس إنه قبل الخوض في ملابسات عملية المقاومة في مزارع شبعا، يجب ان نسأل عن الخرق والاعتداء الفادحين اللذين قام بهما العدو الإسرائيلي على مرأى ومسمع من قوات «اليونيفيل»، بإطلاق النار على جندي في الجيش اللبناني وإصابته بجروح، إضافة الى غيرها من الانتهاكات للقرار 1701 وللسيادة اللبنانية.
وأضاف: لا أعرف لماذا تقوم الدنيا ولا تقعد إذا جُرح جندي إسرائيلي، بينما يجري تجاهل الاعتداءات على اللبنانيين من مدنيين وعسكريين؟ وأكد رفضه هذه الازدواجية في المعايير، موضحاً أنه لا يزال ينتظر نتائج التحقيق في الاستهداف الإسرائيلي لأحد جنود الجيش اللبناني.

العملية تؤكد المخاوف الإسرائيلية

في المقابل فوجئت إسرائيل ليس فقط بتنفيذ «حزب الله» عملية ضد قواتها في مزارع شبعا المحتلة وإنما أساساً بإعلانه المسؤولية عنها، ذلك أن هذا الإعلان أكد المخاوف التي تزايدت مؤخراً عبر التلميحات الإسرائيلية الى تآكل قدرة الردع الإسرائيلية وارتفاع استعداد «حزب الله» للمبادرة بعمليات ضد الاحتلال.
واعترفت إسرائيل بوقوع إصابتين في صفوف جنودها في انفجار العبوة الناسفة. وأشارت المعطيات الإسرائيلية إلى وقوع انفجار آخر بعد نصف ساعة في المنطقة ذاتها من دون أن يؤدي إلى إصابات.
وأفادت البيانات الإسرائيلية بأن جندياً أصيب بجروح متوسطة وآخر بجروح طفيفة في الانفجار الأول، وهما من أفراد دورية هندسة قتالية مكلفة بتفكيك العبوات في المنطقة.
وأفادت المصادر الإسرائيلية أن جيش الاحتلال اكتفى بإطلاق نيران المدفعية في اتجاه الأراضي اللبنانية على موقعين تابعين لـ«حزب الله» في تلك المنطقة، وأنه يُعتقد أن وجود الدورية المستهدفة مرتبط بحادث تسلل خلية مسلحة قبل ثلاثة أيام ويجري البحث عن عبوات قد تكون زرعتها.
وكانت آخر عبوة ناسفة طالت قوة إسرائيلية على الحدود اللبنانية في مزارع شبعا قد انفجرت في آذار الماضي.
وأعرب رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو أمام جلسة للحكومة عن «التقدير» لجنود جيشه «الذين أحبطوا عملية في الشمال». وقال: لقد أثبتنا أننا نرد بشدة على كل محاولة للمساس بنا، والأخطار المتراكمة حولنا تلزمنا باستثمار أموال كبيرة في الأمن، وإلى جانب ذلك الاستثمار في المستوطنات القريبة من الحدود.
واعتبر وزير الحرب الإسرائيلي الجنرال موشي يعلون أن «حزب الله مسؤول عن زرع العبوات وتفجيرها اليوم (أمس) ولذلك تمت مهاجمة أهدافه، والأمر يعبر عن ظاهرة وجود دولة داخل دولة، ونحن نرى في الحكومة اللبنانية الجهة المسؤولة عن الحادث».
وقال الناطق باسم الجيش الإسرائيلي إن الجيش «يحتفظ لنفسه بحق العمل بكل وسيلة وأي وقت يراه مناسباً للدفاع عن سكان دولة إسرائيل».
ونقلت صحيفة «معاريف الأسبوع» عن مصدر عسكري قوله إن «رجال حزب الله كانوا يرتدون زي الجيش اللبناني وأنهم عملوا بالضبط بعد 14 عاماً من هجومهم وقتلهم وخطفهم ثلاثة جنود إسرائيليين في مزارع شبعا».
ووصف المصدر العسكري الحادث بأنه «تصعيد خطير بدأ قبل يومين بحادثة تبين فيها أن خلية حزب الله كانت ترتدي زي الجيش اللبناني كما خشينا، وهي التي مهّدت لتفجير العبوتين المعدّتين ضد الجنود».

الحريري مع تدمير كل «داعش»

وفيما كانت السخونة تتسرّب الى الحدود الجنوبية، بقيت الحدود الشرقية متوترة، في ظل استمرار محاولات المجموعات المسلحة في جرود القلمون إيجاد ممرات آمنة وأماكن دافئة قبل حلول فصل الشتاء. وغداة معركة جرود بريتال، سُجل هجوم لتلك المجموعات على جبهة عسال الورد والجبة في الجانب السوري من الحدود، حيث دارت اشتباكات عنيفة مع الجيش السوري و«حزب الله».
وخطر الإرهاب كان حاضراً في اللقاء الذي عقد أمس بين الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند والرئيس سعد الحريري الذي حذر من أن «داعش» يتقدم، والتحالف الغربي يجب أن يكون أكثر تركيزاً لتدمير كل «داعش»، ونحن لسنا بحاجة إلى ضربات استراتيجية، بل الى ضربات موجعة لهذا التنظيم.
وأضاف: هذا التطرف لا يمثلني. هؤلاء إرهابيون لا يعرفون ديناً، ويجب على التحالف أن يضرب بقوة ويهاجم بطريقة منهجية .

السفير

شاهد أيضاً

في رثاء الحاج طلال شرارة (أبو علي)

قم أيها الحبيب! رد هذا التراب عن وجهك وحدثنا فنحن لم نودعك كما الزوجة والأبناء …