أن يغش المسلمُ مسلماً آخر
كلمات باتت ممجوجة وعبارة بات لا وقع لها ولا تأثير لكثرة ما يفعله المسلمون بالمسلمين.
يحكى عن زمان قيل عنه زمن الجهل والتخلف، يوم لم يمكن ممكناً لأحد أن يفتي ويحلل ويحرم اللهم الا لسيد أو شيخ قهره الزمان في طرف قرية نائية. كان التحليل والتحريم مقدسا ولا يصدر بل لا يقبل الا من متصوف اعتزل الدنيا وأهوالها. كان هذا زمن “الجهل”.
أما في زماننا الأغبر هذا فلقد اختلفت الأمور. التزيي بِزَي الدين بات عرفاً. لا بل ان التمنطق والتبجح بما هو حلال وحرام بات علكة المجتمع الأسهل. الكل يدور حول محورية الدين في حفل عربدة ومجون. قليلون من هم عند مركز الدائرة والباقي سابح في فضاء التكاذب وان يكن بدرجات متفاوتة.
إنترنت وفضائيات وهواتف ذكية وتواصل عبر الأقمار الإصطناعية والكل يحدثك بما هو حلال وما هو حرام. الناس تلعق الفتوى كما يلعق الجرو الحليب أو كما تنتقي الجارية الخضار من السوق. وبالنتيجة فإن من يلعق لا بد له أن يفيض بما لعقه والله يستر.
بتنا ككتاب غلافه منمق مزين يبهر الناظرين أما صفحاته فيرشح منها الكثير من النتن والعفن والدماء والغش والنفاق.
لا أظن أن هناك صعوبة في إيجاد أمثلة على ما أقول. هنا شيخ يكفر شيخا . هناك حاجة تهتك عرض حاجة. يتبعهم زعيم يقهر شعبا. ويخرج من بينهم أفاك متدين ليفتح طريقا ويغلق أخرى. وتطول اللائحة…
وإذا ما حاججت أحدهم خرج عليك بالآية والنص والفتوى التي تبيح ما هو فاعل. هي الفوضى التي عمت المجتمع بعدما سقطت قدسية المتدينين والعلماء. أضعنا البوصلة حتى بات كل واحد مكتف بكونه بوصلة نفسه تماماً كما اكتفى كل منا بجهازه الخليوي عن العالمين.
يقولون هو زمن “العلم” لا بل هو إي والله زمن “الجهل المركب”. العلم هو الطريق إلى الحق والحقيقة اللذان إذا ما بلغهما الإنسان ذاب في الله وفي أخيه الإنسان حبا واحتراما ومساعدة وتعاضدا وألفة وتراحما. إن ما نسميه علما اليوم مزقنا وجعلنا نأكل لحم بعضنا البعض.
لقد بلغنا مرحلة لا يكفي معها للمسلم أن يكتفي بلحيته ومسبحته ولا يكفي للمسلمة أن تكتفي بحجابها وصلاتها. على كل منا أن يعيد حساباته ويراجع التزامه في نفسه. فلنترك محاكمة الناس من حولنا وليحاكم كل منا نفسه. فليقم بمراجعة. فلينطلق من نظرية أن الإنسان خطاء نعم ولكنه تواب. فلنضع برامج للإصلاح في أنفسنا.
بالمناسبة فإن المجتمعات الغربية محت الدين من أجندتها منذ زمن. هم يسيرون في ركب العلم نعم. والعلم يفتح لهم في كل يوم بابا للحق والحقيقة. نحن وهم في رحلات وفي اتجاهين معاكسين. هم يحثون الخطى ويتقدمون بعلمهم نحو الله بشغف. فيما نحن نولي مدبرين وقد أخذتنا العزة بالإثم.
الله يجيرنا!!!
والله الموفق المعين